Sunday, October 17, 2010

عن العنف الطائفي في مصر

عقب انتهاء قداس عيد الميلاد في مدينة نجع حمادي التابعة لمحافظة قنا في صعيد مصر، وقبل منتصف ليل السادس من يناير 2010؛ تحول احتفال الأقباط بعيدهم إلى مأتم، غرقت خلاله مصر بأسرها في بحر من الحزن والغضب والهلع، وذلك إثر مقتل 7 مواطنين مصريين بينهم 6 من الأقباط ومسلم فضلا عن إصابة 9 أقباط آخرين[1].  اصطبغ صباح عيد الميلاد بلون دماء الضحايا الذين قضوا حتفهم بعد أن انتهوا من طقوس احتفالهم الديني، وسرعان ما انتشر خبر جريمة القتل على الهوية في نجع حمادي في كل بقعة من أرض مصر، وأصبحت الجريمة النكراء الموضوع الرئيس للمناقشات في المجالس الخاصة وفي الصحف ووسائل الإعلام، التي تنافست في تحديد الأسئلة الضرورية التي لم تزل بعد حائرة في البحث عن إجابات شافية.

كانت هناك الكثير من الأسئلة حول أسباب ودوافع الجريمة، وعن التغيرات التي طرأت على الوحدة في المجتمع المصري الذي يبدو أنه فشل في الحفاظ على صيغته المبتكرة للتعايش، تلك التي لخصها المفكر الراحل الدكتور محمد السيد سعيد في "تحقيق الوحدة عبر الاعتراف بالتعدد وتقنينه"، وكذلك ركزت العديد من الأسئلة على دور القادة الدينيين في تأجيج الفتنة بين المصريين. أيضًا كانت هناك أسئلة حذرة حول دور ومسئولية الدولة عما حدث للمصريين؛ نتيجة لغياب الديمقراطية والعجز عن تحقيق المساواة وعدم احترام حقوق الإنسان، واحتراف الحكومة للكلام عن "المواطنة" دون أن يغدو لهذا الكلام صدىً أبعد من التعديل الدستوري في عام 2007، الذي أضحت المواطنة بموجبه مادة في الدستور مع وقف التنفيذ.
أجواء الاحتقان الطائفي لم تكن غائبة عن مصر طوال السنوات الأخيرة بل حاضرة على الدوام في اشتباكات ومظاهرات واتهامات متبادلة شهدتها مناطق مختلفة في القاهرة الكبرى والإسكندرية ومرسى مطروح وعدة مدن بالصعيد. وقبل أيام معدودات من وقوع جريمة نجع حمادي كان مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قد عقد حلقة نقاشية تحت عنوان "هل أصبح التوتر الطائفي طابع حياة فى مصر؟"، لكن جاءت جريمة عيد الميلاد لتؤكد أن العنف الطائفي أصبح أخطر ما يهدد المجتمع المصري في الآونة الأخيرة.
الأقباط ليسوا وحدهم ضحايا العنف الطائفي في مصر؛ فعلى سبيل المثال كان البهائيين في إحدى قرى محافظة المنيا أهدافًا في عام 2009 لمجموعات من المسلمين الذين تملكهم الغضب لاكتشافهم أن بعض البهائيين الكفرة يعيشون بينهم في قريتهم، فأرادوا تطهيرها بمحاولة حرق بيوت 3 عائلات بهائية.
عقب كل حادث طائفي تتكرر ذات التوصيات التي بُحَّت أصوات نشطاء حقوق الإنسان وعدد كبير من المثقفين في مطالبة الدولة بتنفيذها دون جدوى، حتى أنهم في أحيان كثيرة يبدون كمن يخاطبون أنفسهم. ويمكن مراجعة أهم وأبرز تلك التوصيات، بالإضافة إلى مجموعة من الملاحظات الرئيسية على سياسات الدولة في التعامل مع ما بات يعرف بملف الأقباط، في ورقة الموقف التي صدرت عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن أعمال العنف والفتنة الطائفية التي اندلعت في الإسكندرية في أبريل 2006[2].
لقد أسهمت الحكومة المصرية بتبنيها تفسيرات ضيقة للدين الإسلامي، في إذكاء الفُرقة بين مواطنيها. وهي الحكومة التي تمتلئ مدونات القوانين، التي تعمل على تنفيذ موادها، بتجريم (تهديد الوحدة الوطنية)، بما يمكّنها، رغم عدم توافر تعريف محدد لطبيعة (الوحدة) ولكُنه (التهديدات) التي قد تتعرّض لها، من تطبيق باقة من العقوبات على كثير من الأنشطة المجتمعية والثقافية، وقتما تريد، وكلما توافرت الدواعي الأمنية والسياسية.
وتسجّل الإستراتيجية الحكومية في التعامل مع الأقليات إخفاقات متوالية تبرز بجلاء في الملف القبطي ومن بعده في ملفات الشيعة والبهائيين، كما في ملفات أخرى خاصة ببدو سيناء وبالنوبيين. تتضح ملامح الإخفاق في غضّ البصر عن وجود النصوص القانونية التي ينبغي تفعيلها، وتعطيلها لحساب اللجوء لمجالس الصلح العرفية التي لا يمكنها الصمود كحلّ أبديّ. وبينما تُغيّب مشروعات القوانين الساعية لمنح الأقلية نفس حق الأغلبية في تشيّيد دور العبادة، تبقى الساحة مفتوحة لاستقبال بلاغات وادعاءات التكفير واتهامات ازدراء الأديان لأشخاص كل جريمتهم اعتناق دين لا تدين به الأغلبية، وستظل المادة التي تنص على المواطنة في الدستور معطّلة، نظرًا لغياب الإرادة السياسية اللازمة لتفعيلها، وبفعل وجود المادة الثانية التي تنص على أن الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، والتي لن تفتح الباب أمام مفهوم الوحدة الوطنية ليشمل في حضوره القانوني والمجتمعي والإعلامي، المصريين جميعًا، بغضّ النظر عن الدين.
في هذا السياق بادرنا في (رواق عربي) إلى دعوة مجموعة من الكتاب والباحثين والناشطين، المهتمين بتعزيز الحريات الدينية وبمكافحة التمييز الديني، للمساهمة في ملف خاص يطرحون فيه أفكارهم ووجهات نظرهم عن أسباب تزايد التوتر والاحتقان الطائفي في مصر. وهي المساهمات التي ستطالعونها بين دفتي هذا العدد.
في البداية نجد أن الدكتور محمد منير مجاهد، منسق مجموعة "مصريون ضد التمييز الديني"، يذهب إلى تحديد الدولة كمسئول أول عن التوترات الطائفية، ويرى أن الدولة تخاذلت في مواجهة أحداث العنف الطائفي، بالإضافة إلى أن سياساتها تسببت في شيوع التمييز الديني بما تم تمريره من قوانين، فضلاً عن تشبع مؤسسات التعليم والإعلام الرسمية بأفكار وثقافة التمييز الديني التي أسّست للعنف الطائفي. ويراهن الدكتور مجاهد على دور كبير للحركات الاحتجاجية والحركات السياسية، التي تشكلت مؤخرًا للمطالبة بالإصلاح السياسي والديمقراطي، في القضاء على التمييز الديني.
أما الأستاذ مجدي خليل، المدير التنفيذي لمنتدى الشرق الأوسط للحريات، فيقدم وجهة نظره الخاصة فيما أسماه بخصائص العنف الموجه ضد الأقباط في مصر. حيث يرى أنه عنف وإرهاب دينى يقوم به طرف واحد هو المسلمون، في إطار استئساد الأغلبية على الأقلية. كما يقدم الأستاذ خليل وجهة نظر صادمة فيما يتعلق بدور الدولة في أعمال التوتر والعنف الطائفي في مصر، حيث لم يتوقف عند مسئولية الدولة عند مستوى العبث بمفهوم المواطنة وتكريس التمييز عبر التشريع ووسائل الإعلام والمناهج التعليمية والتقصير في حماية الأقباط، بل تخطاه إلى اتهام مباشر لها بالتحريض ضدهم. أيضًا على غير العادة يبرئ الأستاذ خليل الفكر الوهابي من المسئولية عن انتشار التطرف والعنف الطائفي في مصر، حيث يُعدّ مصر مصدرًا رئيسيًا "لتصدير الفكر المتطرف للمنطقة بأسرها وللعالم كله". ويقدّم في نهاية المقال رؤية متشائمة مفادها أن العنف الطائفي سيتأجج مستقبلاً في البلاد.
من ناحيته يقدم الدكتور عمار علي حسن، الكاتب والباحث في علم الاجتماع السياسي، رؤيته المختلفة التي يؤكد من خلالها أنه حتى الآن لا يزال المصريون قادرين على وأد أي فتنة في مهدها، وحصرها في مكانها. لكنه في الوقت ذاته ينبّه إلى أن ترك الأمور على حالها من دون علاج شاف – والاكتفاء بـ "المسكنات" أو اللجوء إلى أي "مخزون تاريخي" محمل بالتسامح والتفاهم، أو معالجة المسألة على مستوى النخب – لم يعد كافيا. ويشير إلى أن هناك أزمة يعانيها المجتمع في احترام العيش المشترك؛ وهو ما دفعه لتخصيص مقاله بأكمله لوضع مبادئ أساسية لبناء التعايش وتحديد شروطه وفرصه ووسائل تعزيزه.
الأستاذ عادل جندي، الكاتب والناشط الحقوقي المقيم في باريس، يذهب إلى أنه عندما يحدث اقتراب من "المشكلة القبطية" فإن النقاش ينحصر حول ما أصبح يعرف – كنوع من المواءمة السياسية – بـ "العنف الطائفي" بينما يرى الكاتب أنها في الحقيقة "اعتداءات طائفية"، كما اعتبر أن ما يتم الإعلان عنه من الحوادث الطائفية يقتصر على الحوادث الكبيرة التي يعتبرها مجرد قمة صغيرة لـ "جبل جليد عنفي" كبير. وبدوره انتقد الأستاذ جندي سياسة الدولة في التعاطي مع أحداث العنف الطائفي، قبل أن يأخذنا في جولة استعرض خلالها الحواجز التي تمنع اندماج كافة مكونات المجتمع في النظام السياسي، وذلك بالتركيز على حالة ووضع الأقباط كنموذج كاشف للخلل الكامن في الحياة السياسية المصرية. إذ يرى أن النظام الحاكم مسئول عن انسحاب الأقباط من المشاركة السياسية، كما اعتبر أن المادة الثانية في الدستور التي تعتبر أن "مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع" سببًا في تكريس الدولة الثيوقراطية والتمييز بين المواطنين على أساس الدين. وأشار إلى أن تفاقم التهميش المجتمعي هو الإشكالية الأكبر، التي تعد بمثابة النتيجة المباشرة لأسلمة الشارع المصري وأجهزة الدولة على يد النظام الحاكم. ويرى الكاتب أن الأغلبية، المأزومة والمطحونة لأسباب اقتصادية وسياسية متعددة، عندما ترى أن هناك أقلية تتعامل معها الدولة وفقا لسياسات استبعادية إقصائية متعمدة، فلا غرابة في أن تجد الأغلبية في تلك الأقلية هدفا مناسبا للتنفيس عن شحنات الغضب الكامن. وهو ما قد تستغله السلطات التي قد ترى أن هذا العنف "قناة" مناسبة لتفريغ شحنات العنف، طالما بقى تحت السيطرة، لحماية الحكام من "طاقات الغضب الشعبي".
ويقدم لنا الدكتور كمال مغيث، الباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية، مقالاً يستعرض فيه حضور الطائفية وغياب المواطنة في مناهج ومقررات وأروقة وزارة التربية والتعليم في مصر. إذ يرصد تسرب الأفكار المتطرفة دينيًا إلى مؤسسات التعليم وكليات التربية، ويشير إلى أن افتقاد الدولة إلى المشروع الثقافى التنويرى المستقل؛ أدى إلى هيمنة "خطاب دينى اسلامى بدوى ومتزمت وطقسى" على الثقافة والإعلام، وعلى التعليم بوجه خاص. حيث باتت المدارس مكانًا تمارس فيه الطائفية بألوان وأشكال عدة؛ بما يؤدي إلى تهميش الطلاب الأقباط وانعزالهم. ويدعو الدكتور مغيث إلى تغيير جاد وحقيقي لبنيّة التعليم المصري ومقاومة غرس بذور التطرف الديني في عقول الطلبة، وتوفير الحماية لسبيكة الجماعة الوطنية من التصدع، وحماية المجتمع من نار العنف الطائفي التي توشك أن تأتي على الأخضر واليابس.
وأخيرًا؛ فإننا نعتبر هذا الملف مساهمة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، من (رواق عربي) في البحث عن أسباب الخلل في العلاقة بين "الوحدة والتنوع" في المجتمع المصري الذي بات يواجهه صعوبات جمة في صهر وتوحيد العناصر الثقافية المتنوعة، ومواجهة موجات التطرف الديني، بما يقف حائلاً دون تجدد حوادث الفتن والعنف الطائفية. وهي المهمة التي يهدد الإخفاق في إنجازها بالمزيد من الضربات الموجعة للوحدة الوطنية التي طالما فاخر المصريون برسوخها. وهو "الهم العام" الذي يجب أن يشغل بال، ويصير على رأس أولويات، كل من يهتم بمصير هذا الوطن.


[1] لمزيد من التفاصيل؛ انظر: تقريرالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية الصادر بعنوان (نجع حمادي: شهود على الفتنة)، يناير 2010.
[2] يمكن الإطلاع على ورقة الموقف الصادرة عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في قسم الوثائق بهذا العدد. 

*مقدمة العدد رقم 54 من مجلة رواق عربي.
ويمكن تحميل نسخة كاملة من العدد بوساطة الرابط التالي:
 http://www.cihrs.org/Images/Articles/Categories/PDFs/153.pdf

2 comments:


  1. تقدم شركة نور الجنة شركة تنظيف بالدمام
    خدمة التنظيف المجالس والشقق والفلل على اكمل وجه وفى الفترة الاخيرة تعد شركة نور الجنة افضل شركة تنظيف بالدمام ونؤكد لكم ان شركة نور الجنة شركة تنظيف فلل بالدمام
    شركة تنظيف شقق بالدمام
    شركة تنظيف مجالس بالدمام
    من الشركات الاولى الموجودة في الدمام في مجال النظافة واصبحت افضل شركة تنظيف الفلل والشقق بالدمام والظهران والاحساء وسوف نظل الاحسن في النظافة حيث ان شركة نور الجنة شركه كشف تسربات بالطائف
    لديها انواع ممتازة جيدا من المنظفات ..... ..... ..... ... ..... ........ ..... ... ... ..... ..... ......اتصل بناشركة عزل خزانات بالطائف

    وشركتنا افضل شركة تنظيف قصور وفلل بالدمام لما تقدمة من خدمات مميزه من شركة تنظيف بالدمام والاحساء والجبيل والخبر.
    الشركة المميزة في التنظيف والاعمال الخاصة شركة كشف تسربات بمكة
    شركة مكافحة حشرات بمكة
    شركة نقل اثاث بمكة
    شركة تنظيف بمكة

    نستخدم انواع ممتازة من النظافة اللي عندها القدرة على تنظيف اي نوع من انواع التنظيف والبقع العنيدة
    افضل شركة تنظيف بالدمام
    شركة نور الجنة
    نحن افضل شركة تنظيف فلل وشقق ومنازل وبيوت بالأحساء والدمام
    الشركة الوحيدة في تنظيف الفلل والشقق وجميع الخدمات في مجال التنظيف الشركة الوحيدة التي بحسن عمل في التنظيف.شركة تنظيف مجالس بخميس مشيط
    شركة تنظيف منازل بخميس مشيط
    شركة عزل خزانات بخميس مشيط

    يوجد لدينا جميع العاملين الذين يعملون في مجال التنظيف الفلل والشقق والمجالس والواجهات الزجاج وجميع ذلك في التنظيف
    لدين عمال مدربون على اعل مستوى في التنظيفشركة تنظيف فلل بالقطيف
    شركة تنظيف شقق بالقطيف
    شركة تنظيف مجالس بالقطيف

    يوجد لدين انواع ممتازة جدا من المنظفات التي عندها القدرة على التنظف البيوت وتنظيف المنازل وتنظيف المجالس وتنظيف القصور وتنظيف الشقق وتنظيف الواجهات وتنظيف المسابح وغير ذلك
    كمان نستخدم اجهزه وادوات تساعد على التنظيف الفلل والشقق والتي تساعد على الحصول على افضل النتائج في التنظيف من خلال شركة نور الجنةشركة عزل خزانات بالدمام
    شركة نقل اثاث بالدمام
    شركة عزل خزانات بالدمام
    شركة نقل اثاث بالدمام
    شركة مكافحه حشرات بالدمام

    ReplyDelete