المصدر: المرصد السوري لحقوق الإنسان |
إن واقعة اعتقال الأجهزة الأمنية السورية للمدونة المراهقة طلّ الملوحي التي لم تنل شهادة الثانوية العامة بعد، في 27 ديسمبر 2009 ولأسباب مجهولة؛ لا بد وأن تمثل وصمة عار إضافية على جبين الحكومة السورية التي اعتقلت الفتاة دون ذنب جنته، ومارست الأكاذيب على أمها التي تلقت وعودًا بالإفراج عنها في شهر رمضان الحالي، لكن ها هو رمضان يمضي، ويظل مصير طلّ مجهولاً لدى الجميع. الأمر الذي دفع بالأم اليوم لمناشدة الرئيس السوري ليتدخل ويطلق سراح الفتاة.
لكن لا ضمانة حقيقية بأن طلّ الملوحي ستتمكّن من الارتماء في أحضان أمها قريبًا؛ ففي أرض الخوف لن تجد من يرحب بحرية الكلمة والمدافعين عنها، ولن يأمن الذين اعتادوا ممارسة التعبير عن الرأي، حتى لو لم يكن سياسيًا صرفًا، مكر وقمع السلطات في سوريا التي بها ألف قصة وقصة تبدأ بعبارة: خرج ولم يعد!
لكن لا ضمانة حقيقية بأن طلّ الملوحي ستتمكّن من الارتماء في أحضان أمها قريبًا؛ ففي أرض الخوف لن تجد من يرحب بحرية الكلمة والمدافعين عنها، ولن يأمن الذين اعتادوا ممارسة التعبير عن الرأي، حتى لو لم يكن سياسيًا صرفًا، مكر وقمع السلطات في سوريا التي بها ألف قصة وقصة تبدأ بعبارة: خرج ولم يعد!
******
على طريقة سلطات الاحتلال في التعاطي مع قيادات وأعضاء جماعات المقاومة السرية المناوئة للغزاة والساعية للحصول على استقلال بلادها؛ تتعامل مجموعة من الحكومات العربية مع المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السلميين والمدونين في الأراضي الخاضعة لسلطانها.
في تلك البلدان قد يقضي المدافع عن حقوق الإنسان في المعتقلات زمنًا أطول من الوقت الذي عاشه خارج أسوارها، وقد يختفي قسريًا قبل أن يستطيع تسجيل جمعيته الحقوقية في سجلات الحكومة، وأحيانًا يفقد حياته بفعل قوة سلطة غاشمة لا تأبه لصرخات المظلومين ولا تمقت شيئًا قدر سماع أصوات المدافعين عن حقوقهم المسلوبة؛ فتعمل على إخراسها أو ربما تسديد رصاصة قاتلة إلى أصحابها.
بالتأكيد تتراوح درجة المعاناة التي يلقاها المدافعون العرب عن حقوق الإنسان، بقدر اختلاف مستويات استبداد الأنظمة الحاكمة في بلدانهم. وفي هذا الميدان يمكن اعتبار سوريا بمثابة المكان النموذجي لتحقق كل كوابيس المدافعون عن حقوق الإنسان. ففي دمشق؛ حيث يجثم على أنفاس المواطنين نظام حكم شديد القسوة؛ نستطيع أن نميّز بسهولة استهداف النشطاء الحقوقيين والمعارضين السياسيين السلميين والمدونين، بدءًا من ملاحقة الأجهزة الأمنية لهم وقمعهم والتنكيل بهم والزج بهم في السجون والمعتقلات، وحتى حرمان قطاع واسع بينهم من السفر ومصادرة هوياتهم الشخصية، مرورًا بامتناع الحكومة السورية عن منح الصفة القانونية لأية منظمة حقوقية، فضلاً عن ممارستها لهوايتها المحببة في زيادة أعداد المختفين قسريًّا.
وإذا كان الرئيس السوري بشار الأسد، عقب تسلمه مقاليد الحكم خلفاً لوالده الرئيس حافظ الأسد في عام 2000، قد أصدر قرارات بالعفو عن 600 معتقل سياسي، كما أحال حينها مشروع مرسوم رئاسي لمجلس الشعب بإعلان العفو عن المزيد؛ فإن السجون السورية تأوي الآن نحو 3000 معتقل سياسي وفق مجلة النيوزويك الأمريكية. فربيع دمشق تم وأده مبكرًا، واستمرت حالة حقوق الإنسان في التدهور، وظلت سوريا تُحكم في عهد الأسد الصغير بالحديد والنار والقوانين الاستثنائية كما كانت في عهد الأسد الراحل، ولم تتخلى الأجهزة الأمنية عن عادة البطش بالنشطاء والمنتقدين للسياسات الحكومية واستخدام التعذيب بشكل منهجي.
ويقبع الآن في السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز السورية آلاف المعتقلين السياسيين وعشرات من المدافعين عن حقوق الأقلية الكردية، فضلاً عن المدونين. والتهم التي اعتادت السلطات أن توجهها لنشطاء حقوق الإنسان والمعارضين لسياساتها هي من نوعية: إضعاف الشعور القومي؛ أو المساس بهيبة الدولة؛ أو إهانة الرئيس؛ أو إهانة القضاء؛ أو نشر أخبار كاذبة من شأنها أن توهن عزيمة الأمة؛ أو إضعاف الحس الوطني، أو كلها دفعة واحدة!
الحكومة السورية لا تكتفي بقمع المدافعين عن حقوق الإنسان وتهديدهم وسجنهم والتضييق عليهم في كسب الرزق، بل تسعى حثيثًا لحرمانهم من التواصل مع العالم الخارجي، وذلك بغلق أبرز الشبكات الاجتماعية على الانترنت، والتي وجد فيها النشطاء فرصة مجانية للتعبير عن الرأي وإعلان المواقف وتبادل المعلومات. وفيما يجاهد النشطاء لكسر الحظر بوساطة بعض الحيل الالكترونية؛ فإن الحكومة تزرع ألغامها وكمائنها في الشبكة العنكبوتية، مما أسفر عن وقوع عدد من المدونين في براثنها متلبسين بتهمة التعبير السلمي عن الآراء، حتى لو كانت غير سياسية وغير معارضة بشكل يقيني. وهي الاستراتيجية الاستخباراتية التي دفعت إلى تنامي ظاهرة المعلقين السوريين الذين يستخدمون أسماءً مستعارة على صفحات الشبكات الاجتماعية، وعلى رأسها الفيس بوك.
الحكومة السورية اعتادت استقبال زيارات نشطاء حقوق الإنسان لأراضيها بفرق التعقب، وتحظى أجهزتها الأمنية بسمعة تجبر المجازفين بإجراء البحوث الميدانية عن معوقات اعتناق النظام السوري للديمقراطية على العمل في الخفاء كاللصوص. إنها تستفيد من كونها حكومة "ممانعة" داعمة لأبرز "المقاومات" على الساحة، رغم أنها لم تطلق رصاصة منذ عقود في الجولان المحتل، في أن تطبق على أنفاس المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان بزعم حاجتها للتفرغ للعدو الصهيوني الرابض داخل الحدود. كما تستغل صمت الأسرة الدولية وتغيُّر المزاج الأميركي في إثارة قضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط لأسباب عديدة، فضلاً عن عدم تحمّس أوروبا للاهتمام بسجناء الرأي السوريين في القنوات الدبلوماسية غير الموصدة مع دمشق، إلا على استحياء.
إن توقيع الحكومة السورية على عدد من المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان لم يتجاوز عناء سكب الأحبار على الأوراق؛ فها هي ترفض الطلبات المتكررة من المقرر الخاص المعني بأوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان لزيارة سوريا والوقوف على حقيقة أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، ولا تخجل من لامبالاتها بالنداءات المتواصلة والمتجددة للمنظمات الحقوقية الدولية والعربية والسورية المنددة بالأوضاع المزرية التي يعانيها سجناء الرأي؛ وهو ما يعني أن المعتقلين السوريين سيدفعون المزيد من الأثمان الباهظة لنضالهم نتيجة نقص المعلومات الموثقة عن أوضاعهم ونشرها في مجتمع حركة حقوق الإنسان العالمية، واستخدامها في الجأر بشكاواهم عبر الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان.
لم تترك الحكومة السورية الحالية مجالاً أمام جماعات ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية، لعقد الآمال على أنها ستعمل على تبني إجراءات جادة، تضع حدًا لحملات التنكيل بالنشطاء السياسيين ومدافعي حقوق الإنسان ودعاة الإصلاح والديمقراطية والمناهضين للتمييز المنهجي ضد الأكراد، كما لا يملك أكثر المتفائلين ذرة أملّ في أن هذه الحكومة يمكن أن تبادر، دون ضغوط قوية متواصلة لا يسأم أصحابها، بإنهاء حالة الطوارئ الاستثنائية التي تعيشها سورية على نحو متواصل منذ عام 1963، وإلغاء محاكم أمن الدولة الاستثنائية، وتنقيح مدوناتها القانونية من النصوص العقابية المقيدة لحرية التعبير.
وتظل حقيقة مخيفة ماثلة أمامنا، وهي أن الأعوام تمضي بالنشطاء السوريين في السجون التي تتكدس بهم وتقول هل من مزيد، دون أن يجدوا الدعم الكافي والمناسب لخطورة أوضاعهم، وقد تستحيل زنزاناتهم إلى مقابر؛ لو طال الصمت!
في تلك البلدان قد يقضي المدافع عن حقوق الإنسان في المعتقلات زمنًا أطول من الوقت الذي عاشه خارج أسوارها، وقد يختفي قسريًا قبل أن يستطيع تسجيل جمعيته الحقوقية في سجلات الحكومة، وأحيانًا يفقد حياته بفعل قوة سلطة غاشمة لا تأبه لصرخات المظلومين ولا تمقت شيئًا قدر سماع أصوات المدافعين عن حقوقهم المسلوبة؛ فتعمل على إخراسها أو ربما تسديد رصاصة قاتلة إلى أصحابها.
بالتأكيد تتراوح درجة المعاناة التي يلقاها المدافعون العرب عن حقوق الإنسان، بقدر اختلاف مستويات استبداد الأنظمة الحاكمة في بلدانهم. وفي هذا الميدان يمكن اعتبار سوريا بمثابة المكان النموذجي لتحقق كل كوابيس المدافعون عن حقوق الإنسان. ففي دمشق؛ حيث يجثم على أنفاس المواطنين نظام حكم شديد القسوة؛ نستطيع أن نميّز بسهولة استهداف النشطاء الحقوقيين والمعارضين السياسيين السلميين والمدونين، بدءًا من ملاحقة الأجهزة الأمنية لهم وقمعهم والتنكيل بهم والزج بهم في السجون والمعتقلات، وحتى حرمان قطاع واسع بينهم من السفر ومصادرة هوياتهم الشخصية، مرورًا بامتناع الحكومة السورية عن منح الصفة القانونية لأية منظمة حقوقية، فضلاً عن ممارستها لهوايتها المحببة في زيادة أعداد المختفين قسريًّا.
وإذا كان الرئيس السوري بشار الأسد، عقب تسلمه مقاليد الحكم خلفاً لوالده الرئيس حافظ الأسد في عام 2000، قد أصدر قرارات بالعفو عن 600 معتقل سياسي، كما أحال حينها مشروع مرسوم رئاسي لمجلس الشعب بإعلان العفو عن المزيد؛ فإن السجون السورية تأوي الآن نحو 3000 معتقل سياسي وفق مجلة النيوزويك الأمريكية. فربيع دمشق تم وأده مبكرًا، واستمرت حالة حقوق الإنسان في التدهور، وظلت سوريا تُحكم في عهد الأسد الصغير بالحديد والنار والقوانين الاستثنائية كما كانت في عهد الأسد الراحل، ولم تتخلى الأجهزة الأمنية عن عادة البطش بالنشطاء والمنتقدين للسياسات الحكومية واستخدام التعذيب بشكل منهجي.
ويقبع الآن في السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز السورية آلاف المعتقلين السياسيين وعشرات من المدافعين عن حقوق الأقلية الكردية، فضلاً عن المدونين. والتهم التي اعتادت السلطات أن توجهها لنشطاء حقوق الإنسان والمعارضين لسياساتها هي من نوعية: إضعاف الشعور القومي؛ أو المساس بهيبة الدولة؛ أو إهانة الرئيس؛ أو إهانة القضاء؛ أو نشر أخبار كاذبة من شأنها أن توهن عزيمة الأمة؛ أو إضعاف الحس الوطني، أو كلها دفعة واحدة!
الحكومة السورية لا تكتفي بقمع المدافعين عن حقوق الإنسان وتهديدهم وسجنهم والتضييق عليهم في كسب الرزق، بل تسعى حثيثًا لحرمانهم من التواصل مع العالم الخارجي، وذلك بغلق أبرز الشبكات الاجتماعية على الانترنت، والتي وجد فيها النشطاء فرصة مجانية للتعبير عن الرأي وإعلان المواقف وتبادل المعلومات. وفيما يجاهد النشطاء لكسر الحظر بوساطة بعض الحيل الالكترونية؛ فإن الحكومة تزرع ألغامها وكمائنها في الشبكة العنكبوتية، مما أسفر عن وقوع عدد من المدونين في براثنها متلبسين بتهمة التعبير السلمي عن الآراء، حتى لو كانت غير سياسية وغير معارضة بشكل يقيني. وهي الاستراتيجية الاستخباراتية التي دفعت إلى تنامي ظاهرة المعلقين السوريين الذين يستخدمون أسماءً مستعارة على صفحات الشبكات الاجتماعية، وعلى رأسها الفيس بوك.
الحكومة السورية اعتادت استقبال زيارات نشطاء حقوق الإنسان لأراضيها بفرق التعقب، وتحظى أجهزتها الأمنية بسمعة تجبر المجازفين بإجراء البحوث الميدانية عن معوقات اعتناق النظام السوري للديمقراطية على العمل في الخفاء كاللصوص. إنها تستفيد من كونها حكومة "ممانعة" داعمة لأبرز "المقاومات" على الساحة، رغم أنها لم تطلق رصاصة منذ عقود في الجولان المحتل، في أن تطبق على أنفاس المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان بزعم حاجتها للتفرغ للعدو الصهيوني الرابض داخل الحدود. كما تستغل صمت الأسرة الدولية وتغيُّر المزاج الأميركي في إثارة قضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط لأسباب عديدة، فضلاً عن عدم تحمّس أوروبا للاهتمام بسجناء الرأي السوريين في القنوات الدبلوماسية غير الموصدة مع دمشق، إلا على استحياء.
إن توقيع الحكومة السورية على عدد من المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان لم يتجاوز عناء سكب الأحبار على الأوراق؛ فها هي ترفض الطلبات المتكررة من المقرر الخاص المعني بأوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان لزيارة سوريا والوقوف على حقيقة أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان، ولا تخجل من لامبالاتها بالنداءات المتواصلة والمتجددة للمنظمات الحقوقية الدولية والعربية والسورية المنددة بالأوضاع المزرية التي يعانيها سجناء الرأي؛ وهو ما يعني أن المعتقلين السوريين سيدفعون المزيد من الأثمان الباهظة لنضالهم نتيجة نقص المعلومات الموثقة عن أوضاعهم ونشرها في مجتمع حركة حقوق الإنسان العالمية، واستخدامها في الجأر بشكاواهم عبر الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان.
لم تترك الحكومة السورية الحالية مجالاً أمام جماعات ومنظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والدولية، لعقد الآمال على أنها ستعمل على تبني إجراءات جادة، تضع حدًا لحملات التنكيل بالنشطاء السياسيين ومدافعي حقوق الإنسان ودعاة الإصلاح والديمقراطية والمناهضين للتمييز المنهجي ضد الأكراد، كما لا يملك أكثر المتفائلين ذرة أملّ في أن هذه الحكومة يمكن أن تبادر، دون ضغوط قوية متواصلة لا يسأم أصحابها، بإنهاء حالة الطوارئ الاستثنائية التي تعيشها سورية على نحو متواصل منذ عام 1963، وإلغاء محاكم أمن الدولة الاستثنائية، وتنقيح مدوناتها القانونية من النصوص العقابية المقيدة لحرية التعبير.
وتظل حقيقة مخيفة ماثلة أمامنا، وهي أن الأعوام تمضي بالنشطاء السوريين في السجون التي تتكدس بهم وتقول هل من مزيد، دون أن يجدوا الدعم الكافي والمناسب لخطورة أوضاعهم، وقد تستحيل زنزاناتهم إلى مقابر؛ لو طال الصمت!
شمعة الشهاب الساقط أشهر التقنيات لقراءة وتحليل الأسهم وبورصة العملة، ويعتبر أول من اخترع طريقة الشموع اليابانية التجار اليابانيون
ReplyDelete