Tuesday, August 10, 2010

!!لا انتخابات ولا مجلس ولا شورى

انتهت انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى في الأول من يونيو 2010، بقائمة طويلة من الانتهاكات والتجاوزات، التي قد تؤدي في البلدان الديمقراطية إلى إعادة الانتخابات ومحاسبة المسئولين عن الانتهاكات الجسيمة والتزوير الفاضح، في حين تبدو تلك الخروقات في بلد كمصر، مهما بلغت، كذرات غبار قليلة ينفضها المسئولون دون اكتراث، عن نتائج انتخابات لا تتسم بالشفافية، ورغم ذلك تغدو ذات الانتخابات بين ليلة وضحاها مصدر الفخر لحزب حاكم يستعد، وحكومته، لفعل أي شئ يضمن له الأغلبية الساحقة في أية انتخابات. حتى لو تم ذلك على جثة (النزاهة) التي جرت العادة على أن يتم استدعائها وترديدها آلاف المرات، في وصف كل فوز كاسح ينجزه أعضاء الحزب الوطني الحاكم في انتخابات غير نزيهة.
أحمد عز رجل الأعمال المثير للجدل وأمين التنظيم بالحزب الوطني الجاثم على صدور المصريين منذ عقود




منع مراقبة المجتمع المدني للانتخابات
الإشراف القضائي على الانتخابات والذي سبَّب للحزب الوطني والحكومة حرجًا بالغًا في أعقاب انتخابات 2005، تم التخلص منه في التعديلات الدستورية التي تمت في مارس 2007. وبالنسبة للمجتمع المدني الذي اكتسب خلال السنوات الماضية خبرة واسعة في مجال مراقبة الانتخابات؛ فقد تلقى، قبل نحو أسبوعين من يوم الاقتراع، صفعة من المستشار انتصار نسيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات، حيث رفض بشكل قاطع رقابة المجتمع المدني وصرّح قائلاً: "نحن فوق المراقبة؛ فنحن قضاة سواء فى اللجنة العليا للانتخابات أو فى اللجان العامة"، واعتبر أن أعضاء اللجان الفرعية، الذين يشرفون علي 35 ألف لجنة فرعية، هم أشخاص مشهود لهم بالحيدة والنزاهة؛ الأمر الذي تنتفي معه الحاجة لرقابة المجتمع المدني.
المستشار انتصار نسيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات - مصدر الصورة صحيفة اليوم السابع

فات رئيس اللجنة العليا للانتخابات قراءة تاريخ قريب من الجدل حول نزاهة الانتخابات والاستفتاءات التي جرت في مصر، وكان يستطيع الإفادة من نتائج هذا الجدل الذي بلغ ساحات القضاء في تلافي عدد من الأخطاء التي ارتكبتها لجنته. نشير أولاً إلى أن نادي القضاة قد أصدر تقريرًا عن إشراف القضاء على استفتاء تعديل الدستور في 25 مايو 2005، وكان مما خلص إليه التقرير أن رؤساء اللجان العامة لم تكن لهم رقابة فعلية على أعمال اللجان الفرعية، وأن الأغلبية الساحقة من رؤساء اللجان الفرعية كانوا موظفين يفتقدون للاستقلال والحصانة وخضعوا للترهيب من رجال الشرطة؛ الأمر الذي يعني أن هذه اللجان الفرعية فلتت من رقابة القضاة، وكانت مسرحًا لتزوير إرادة الناخبين. كان هذا وقت وجود الإشراف القضائي، الذي تجري الانتخابات العامة الآن دونه؛ فما الذي تغير في طريقة اختيار هؤلاء الموظفين وفي الصلاحيات الممنوحة لهم منذ عام 2005 وحتى 2010؛ حتى يمكن القول أنهم يحظون بقدر وافر من الاستقلال يساعدهم على تفعيل ما يمتلكونه من حيدة ونزاهة افتراضيتين؟.

الأمر الثاني أنه في عام 2005 خاضت منظمات المجتمع المدني معركة قضائية مع رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية (التي رفضت حينذاك السماح لمنظمات المجتمع المدني بالرقابة على الانتخابات!)، وقد انتهت القضية إلى إصدار المحكمة الإدارية العليا حكمًا تاريخيًّا أكد أن حق منظمات المجتمع المدني في متابعة العملية الانتخابية هو حق أصيل لها. وبناءً عليه أعلنت اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية صباح يوم الاقتراع أنه يمكن لمنظمات المجتمع المدني مراقبة الانتخابات من داخل اللجان.

وكأن التاريخ يكرر نفسه، باختلافات طفيفة لا تكاد تذكر؛ فقد أقامت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان دعوى قضائية ضد رئيس اللجنة العليا للإشراف على الإنتخابات بإلغاء القرار السلبى بإمتناع اللجنة عن منح المنظمة تصريحات المراقبة لمراقبيها. وفي يوم الاقتراع انتصرت محكمة القضاء الإداري لمنظمات المجتمع المدني وأكدت حقها في مراقبة الانتخابات.

 جدير بالذكر أن منظمات المجتمع المدني لم تصب باليأس جرَّاء رفض اللجنة العليا للإنتخابات والمجلس القومى لحقوق الانسان منحها تصريحات مراقبة الإنتخابات، وأعلنت المنظمات التي أصرت على المراقبة أنها تستمد شرعية في مراقبة للإنتخابات من الإتفاقيات والمعاهدات الدولية التى وقعت وصدقت عليها الحكومات المصرية المتعاقبة وأصبحت جزءً من قانونها الوطنى وفقاً لأحكام المادة (151) من الدستور المصرى؛ حيث نصَّت تلك الاتفاقيات على حق المواطنين فى المشاركة العامة والترشح والاقتراع فى انتخابات حرة ونزيهة، وهو ما يعنى حق منظمات المجتمع المدنى فى مراقبة الانتخابات.

إن دور المجتمع المدني في الرقابة على الانتخابات يواجه منذ سنوات معارضة شديدة من الحكومة والحزب الحاكم والدوائر الإعلامية المقربة والخاضعة لهما، لكن منظمات المجتمع المدني أثبتت حتى الآن قدرة على الصمود وخوض المعارك القانونية في ساحات المحاكم، المرة تلو الأخرى؛ لانتزاع حقها الذي يكفله الدستور في متابعة ومراقبة العملية الانتخابية، وكذلك قدرتها على الاشتباك في المجال العام بطرح الحجج المنطقية التي تؤكد أنه لا مناص من الاعتراف بدور المجتمع المدني في كشف وفضح تزوير إرادة الناخبين، وهو ما يفسّر الهجوم الذي تشنّه دوائر بعينها على منظمات المجتمع المدني ومحاولة تشويهها، قبل وأثناء أي انتخابات عامة تعلن المنظمات أنها ستراقبها.

انتخابات تعج بالمهازل!
التقارير التي أصدرتها منظمات المجتمع المدني، التي قامت بمتابعة ومراقبة الانتخابات، امتلأت بكافة أنواع الانتهاكات والتجاوزات التي لطخت عملية انتخابات الشورى برمتها. وقد أصدرت الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية وحدها ستة تقارير عن نشاطها في مراقبة الانتخابات. ورصدت هذه التقارير قيام وزارة الداخلية بالتدخل فى تعديل الدوائر الإنتخابية وتعمد مضايقة المرشحين أثناء تقديم أوراق ترشيحهم، وشنّ حملات اعتقال لأنصار مرشحي جماعة الإخوان المسلمين. وأكدت التقارير أن أعمال الدعاية الانتخابية شهدت انتهاك مرشحى الحزب الوطنى الحاكم للقواعد التى أصدرتها اللجنة العليا للإنتخابات بعدم إستخدام المرشحين للمنشأت العامة المملوكة للدولة؛ حيث انتشرت لافتات تأييد مرشحي الحزب الحاكم على جدران المنشأت العامة من مدارس ومستشفيات ومراكز شباب، كما قام أعضاء بارزين فى الحزب باستغلال منشأت حكومية فى الدعاية لمرشحى الحزب. كما استخدم الحزب الوطني وسائل النقل المملوكة للدولة في حشد الناخبين إلى اللجان التي شهدت عمليات تصويت جماعي دون مراعاة لسرية التصويت. كما شهدت عدد من اللجان أعمال بلطجة لمنع الناخبين من الدخول للجان، ولصالح مرشحي الحزب الوطني.
وفي حين اهتمت اللجنة العليا برصد استخدام مرشحي الإخوان للشعارات الدينية؛ فإنها تغاضت عن استغلال مرشحي الحزب الوطنى للمؤسسات الدينية، وليست فقط الشعارات الدينية، في الدعاية لأنفسهم. كما تعرّض عدد من مندوبي المرشحين للمنع من دخول اللجان وللاعتداء البدني، فيما مُنعت مجموعات من الناخبين أنفسهم من دخول لجان أخرى. وبينما كان تسويد البطاقات يجري على قدم وساق، ذهب أحد المرشحين في الانتخابات للإدلاء بصوته إلا أنه فوجئ بأن أحدهم قام بالتصويت بدلاً منه!
ورغم أن تقارير منظمات المجتمع المدني أكدت أن مكاتب التلغراف بكافة المحافظات قد توافد عليها عدد كبير من المواطنين لإرسال فاكسات وتلغرافات إلى اللجنة العليا للانتخابات تحتوي على شكاواهم فيما يتعلق بالإنتهاكات والمخالفات التى شابت العملية الانتخابية؛ إلا أن رئيس اللجنة العليا للإنتخابات أكد بوضوح على عدم تلقيه أى شكاوى متعلقة بسير العملية الإنتخابية!

الشورى بروفة هزلية والقادم أسوأ!
الجهود المبذولة في الانتهاكات أتت أكلها؛ فقد اكتسح مرشحي الحزب الوطني نتائج الانتخابات، وفشل مرشحي الإخوان في الفوز ولو بمقعد واحد، وتحوم شكوك قوية حول نجاح أربعة من الأحزاب المعارضة هى الجيل والتجمع والغد والناصرى، حيث أشارت تقارير صحفية عديدة إلى أن نجاحهم جاء نتيجة لصفقات مع الحزب الوطني. وكانت انتخابات مجلس الشورى لهذا العام قد حظيت للمرة الأولى بمشاركة 13 حزبًا معارضًا بالإضافة إلى الإخوان والمستقلين. وربما يرجع هذا إلى أن مجلس الشورى قد حاز في التعديلات الدستورية الأخيرة عام 2007 بصلاحيات حفزّت الجميع للسعي إلى الحصول على حصة من مقاعده.
نواب برلمانيون يحتجون على تزوير إرادة المواطنين في انتخابات مجلس الشورى

فبموجب تلك التعديلات نصّت المادة 195 من الدستور على أخذ رأى مجلس الشورى في كل من: الإقتراحات الخاصة بتعديل مادة أو أكثر من مواد الدستور؛ مشروع الخطة العامة للتنمية الإجتماعية والإقتصادية؛ معاهدات الصلح والتحالف وجميع المعاهدات التى يترتب عليها تعديل فى أراضي الدولة أو التى تتعلق بحقوق السيادة؛ مشروعات القوانين التى يحيلها إليه رئيس الجمهورية؛ ما يحيله رئيس الجمهورية إلى المجلس من موضوعات تتصل بالسياسة العامة للدولة أو بسياستها فى الشئون العربية أو الخارجية. أما المادة 76 من الدستور، التى تشتمل على مجموعة من أكثر الشروط تشددًا وغرابة في اختيار الأشخاص الذين يرغبون في ترشيح أنفسهم لمنصب رئيس الجمهورية، فقد منحت مجلس الشورى وضعًا متميزًا، يجعل أحد شروط الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، أن يكون الحزب الراغب فى التقدم بمرشح للرئاسة قد حاز مقعد فى مجلس الشورى أو الشعب عن طريق الإنتخاب؛ في حين ينبغى على المرشح المستقل الحصول على تزكية 25 عضو من مجلس الشورى ليتمكن من الترشح.

فإذا كانت انتخابات مجلس الشورى، الذي يحظى بهذا القدر القليل من الصلاحيات مقابل مجلس الشعب، قد شهدت هذا الكم المذهل من التجاوزات والانتهاكات الجسيمة؛ فلا بد أنها كانت بمثابة (بروفة) شديدة الفجاجة لما ستشهده انتخابات مجلس الشعب التي ستجري خلال 4 شهور تقريبًا. لتغدو النتيجة النهائية هيمنة الحزب الوطني على مجلسي الشعب والشورى، استعدادًا لموقعة الانتخابات الرئاسية عام 2011، والتي بدأ الاستعداد لها قبل أيام؛ بتشكيل أعضاء لجنة الإشراف عليها وموافقة البرلمان الذي أوصد أبوابه دون إصدار قانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية، والذي قدّم مشروعه 100 نائب برلماني من المعارضة والمستقلينٍ؛ بهدف توفير ضمانات حقيقية لحرية ونزاهة الانتخابات المقبلة، ولكن يبدو أن توفير هذه الضمانات خارج حسابات نواب الأغلبية الذين وقفوا بالمرصاد أمام مناقشة مشروع القانون.

*نشر في نشرة (سواسية) التي يصدرها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، عدد يونيو 2010.

2 comments:

  1. منور الفضاء الافتراضي والله :)

    ReplyDelete
  2. برنسيسة المدوّنات عندنا، يا مرحبا يا مرحبا :)
    ألف شكر يا سلمى.. ده إنتي اللي منورانا والله :)

    ReplyDelete