Wednesday, August 11, 2010

الناشط الحقوقي البارز نبيل رجب: وعود ملك البحرين الإصلاحية ذهبت أدراج الرياح ونخشى أن نرى دارفور جديدة

مملكة البحرين هي أصغر الدول العربية من حيث المساحة، لكن الوضع لا يصبح كذلك حين تغدو المقارنة في مجال انتهاك حقوق الإنسان. هذا ما تخبرنا به التقارير الصادرة عن عدد من منظمات حقوق الإنسان البحرينية والدولية وكذلك التقارير السنوية لمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. الصورة التي تنقلها هذه التقارير شديدة القتامة ولا تبدو منسجمة مع الصورة الوردية التي رسمتها، ولا تزال، تصريحات ملك البحرين وحكومته طوال السنوات الماضية عن تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان بالمملكة، وهي التصريحات التي ظلت لسنوات تلقى دعمًا وتأييدًا من بعض أقوى أطراف المجتمع الدولي. 
خريطة مملكة البحرين

أردت أن أسلّط الضوء على أوضاع حقوق الإنسان في هذه الدولة العربية المهمة؛ فتوجهت بأسئلتي للسيد نبيل رجب أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان ورئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان، وتلقيتُ منه الإجابات عبر البريد الإليكتروني؛ فكان هذا الحوار:


حين تولى الشيخ حمد بن عيسى حكم البحرين عام 1999؛ داعبت وعوده الإصلاحية آمال المعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين في الداخل والخارج. الآن وبعد أكثر من 10 سنوات، كيف تقيّمون أوضاع حقوق الإنسان في البحرين؟


 
نبيل رجب: بالفعل كانت هناك مبادرات جريئة، في بداية عهد الملك، بعثت على التفاؤل والأمل في الشارع البحريني، وتمثلت في إطلاق سراح كافة المعتقلين والسجناء السياسيين وعودة المبعدين قسرا إلى البلاد، ورفع سقف حرية الرأي التعبير. ولكن هذه المبادرات لم تأخذ طريقها المؤسسي في إصلاح القوانين والمؤسسات بل ظلت على ما هي عليه. وكانت تلك المبادرات  تستهدف الخروج من أزمة سياسية كانت تعصف بالبلاد آنذاك. 


ملك البحرين حمد بن عيسى
ولكن ما أحبط الناس والشارع البحريني لاحقا؛ هو تراجع الملك عن الوفاء بوعوده التي قدمها للناس في مقابل أن يصوت الشعب له ليكون ملكا وأن تصبح البحرين مملكة. حيث سرعان ما قامت السلطة بسنّ الكثير من القوانين المقيدة للحريات. واستنادًا إلى هذه القوانين صارت حقوق الإنسان عرضة للانتهاكات؛ فعلى سبيل المثال صار قانون الإرهاب يستهدف النشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان ويزج بهم في السجون، وباستخدام قانون الصحافة تقوم السلطات بجرجرة الصحفيين والمدونين ونشطاء الانترنت إلى المحاكم، وبموجب قانون التجمعات تقمع الندوات والتجمعات السلمية باستعمال القوة، ويحاصر قانون الجمعيات العمل السياسي الحزبي السلمي ويكبّل النشاط الأهلي، وفي ظل هذا العهد الإصلاحي حصل رجال المخابرات على المزيد من الصلاحيات في إجراء عمليات القبض والاحتجاز التعسفي بعيدا عن المؤسسة القضائية، وبزعم حماية الأمن الوطني تم تقنين التجسس والتصنت على أجهزة الاتصالات وانتهاك خصوصية المواطنين. كل هذه الانتهاكات أدت إلى تراجع ملحوظ في الحريات العامة.

 المواطنون الشيعة يشكلون نحو ثلثي سكان البحرين، وفي ظل حكم الأقلية السنيّة تتواتر المعلومات حول تعرّض الشيعة للتمييز الطائفي. ما مدى صحة هذه المزاعم؟

نبيل رجب: أولا لابُدّ أن أوضح أن الخلاف القائم في البحرين ليس خلافاً شيعياً سنياَ مذهبياَ أو عقائدياَ على الإطلاق، وإنما هو خلافً بين أبناء الطائفة الشيعةُ وهم الجزء الأكبر من السكان الأصلين، وبين النظام الحاكمَ في البحرين، بسبب سياستهُ في التمييز والعزل والفصل الطائفي. تحاول السلطة أن تصور الخلاف وكأنه نزاعًا بين الشيعة والسنة، بل إنها تدفع به ليكون كذلك، إلا أن الواقع غير ذلك تماما، وأبناء الطائفتين واعيين ومدركين لذلك. إن المجتمع البحريني يمتلكُ درجةً عاليةً من التسامح والتعايشَ بين جميع مكوناته، على  اختلاف انتماءاتِهم  الدينية والمذهبية والاثّنية والسياسية، بل إننا نفتخر بهذا المزيج من المعتقدات والتجانسُ الإثني الذي ساهم وأثرى بناء الحضارة والثقافة السائدة في البلاد مند مئات السنين، بل ميّز مواطنينا عن غيرهم في منطقة الخليج العربي.

 ما أبرز ملامح هذا التمييز الطائفي الذي تقوم به الحكومة البحرينية؟

نبيل رجب: في عام 2008 قمنا بإطلاق نتائج تقرير مركز البحرين لحقوق الإنسان الثاني عن التمييز الطائفي، ومن أهم النتائج التي توصل لها التقرير؛ أنه في حين يشكّل الشيعة حوالي ثلثي عدد السكان إلا إنهم يتولون 13% فقط من الوظائفُ العليا في البلاد، واغلب تلك الوظائفُ تتمركزُ في المؤسساتِ الخدمية أو المؤسسات غير السيادية، بل إن هناك الكثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية التي يشكّل المواطنون الشيعة ما نسبته صفر في المائة من الوظائف العليا. 

نبيل رجب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان - مصدر الصورة (بحراني.نت)

ومن تلك المؤسسات وزارة الدفاع والحرس الوطن ووزارة الداخلية ووزارة شئون مجلس الوزراء والمؤسسة العامة للشباب والرياضة والديوان الملكي وديوان ولي العهد والجهاز المركزي للمعلومات وجهاز المساحة والتسجيل العقاري. كما أن أبناء الطائفة الشيعية يشكلون خمسة بالمائة من السلك القضائي، وستة عشر بالمائة من السلك الدبلوماسي، وسبعة ُ بالمائة بوزارة المواصلات وثمانية عشر بالمائة بالمحكمة الدستورية  وعشرة بالمائة بوزارة المالية  وستة بالمائة  بوزارة الإعلام. أما بخصوص الحقائب الوزارية فلا يوجد الآن في الحكومة الحالية سوى 3 وزراء من أبناء الطائفة الشيعية من بين 25 وزيرًا، وواحداُ من هؤلاء الوزراء يتولون منصب وزير دون وزارة.  وتعتبر هذِه النسبة هي الأقل تمثيلاً للشيعة  في السلطة ُ التنفيذية منذ تكوين أول جهازٍ تنفيذي للحكومة في يناير 1970. وهذه بعض أوجه التمييز ضد الشيعة والتي تهدد السلام المجتمعي في البحرين.
 
ما طبيعة الأخطار التي ترى أنها تتهدد المجتمع البحريني نتيجة التمييز الطائفي؟

نبيل رجب: قبل سنوات قليلة، وفي تقرير أصدرناه في عام 2003، حذرنا من إنزلاق البلاد إلى العنف والعنف المضاد، إذا لم تضع السلطة الحاكمة حدا لسياسة التمييز الطائفي. كما أصدرت مجموعة الأزمات الدولية تقريرًا في عام 2005، وحذرت فيه أيضا من خطورة الوضع إذ استمرت الحكومة في سياسة التهميش ضد الشيعة. إلا أن الحكومة البحرينية ردت بإغلاق مركز البحرين لحقوق الإنسان، وتجاهلت كل تلك التحذيرات. وها نحن اليوم نشهد ما حذرنا منه في السابق من مصادمات ومواجهات شبه يومية، بين أبناء القرى الشيعية وقوات مكافحة الشغب المشكلة من قوات أجنبية. وبعد خمس سنوات من إصدار التقرير الأول أصبح من الواضح أن الحال يتجه للأسوأ ولمزيد من التدهور؛ حيث أن نسبة تمثيل الشيعة في مؤسسات الدولة آخذة في التدني والانحدار. فبعد أن كانت النسبة 18%  في العام 2003، أصبحت الآن 13% فقط.

إننا نتابع بقلق بالغ إصرار السلطة على المضي قدمًا في سياسة التهميش على المستوى التعليمي والاقتصادي والسياسي والثقافي والديني والاجتماعي والمدني، متجاهلة بذلك كل المناشدات والتوصيات الدولية، بما فيها تلك الصادرة من لجنة مناهضة التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة. إن طرحنا الدائم لهذا الموضوع يأتي نتيجة إدراكنا لخطورة الوضع الحالي في البحرين، ونخشى تحوله إلى نزاع أشد عنف من أي وقت مضى. نحن نعمل على تجنب أن تتحول البحرين إلى منطقة نزاعات وحروب أهلية، كما هو الحال الآن في دارفور أو الصومال؛ لأن سياسة التطهير الطائفي التي تمارسها اليوم الطبقة الحاكمة في البحرين، تصب الزيت فوق النار وتمهّد الطريق لنشوب مثل هذه النزاعات والحروب الأهلية.
 

 تزعم الحكومة بشكل غير مباشر أن ولاء الشيعة السياسي لإيران. ما قولكم في ذلك ؟

 نبيل رجب: إن كانت هذه المزاعمَ صحيحة، فيعني هذا أن نظام الحكم في البحرين يعاني من أزمة شرعية، إذ أن أكثر من ثلثي الشعب في البحرين غير موالين له لكونهم من السكان الشيعة.  لكن الأمر ليس كذلك، وإنما تعمل السلطة على الاستفادة واللعب على الخلافات والتناقضات الدولية لتكريس تهميشها للشيعة، بل  توظف العلاقات المتوترة بين إيران من جهة والولايات المتحدة والغرب من جهة أخرى لتسّوق للعالم موضوع موالاة الشيعة لإيران؛ وذلك لكسب التعاطف والدعم الغربي لسياستها التمييزية ضد السكان الشيعة. ثم إن قصة التمييز ضد أبناء الشيعة ليست وليدة اليوم، بل بدأت مع سيطرة حكام البلاد على البحرين قبل أكثر من قرنين من الزمان، وليس لها علاقة بإيران التي تشكلت دولتها الحديثة في الثلاثين عاما الماضية، إلا أن الوجود الاستعماري البريطاني في بداية القرن الماضي قد ساعد  بالتقليل من سياسة التمييز ضد الشيعة. ولكنه ومنذ الاستقلال في أوائل السبعينات ورجوع الحكم كاملا للأسرة الحاكمة، عادت سياسة التمييز مرة أخرى وبشكل تدريجي، بل أصبحت هذه السياسة أكثر شراسة ومنهجية وتنظيما مند مجيء جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة. وهو الحاكم الذي حصل عند توليه السلطة على تأييد شعبي شيعي هو الأكبر من نوعه على الإطلاق، ولم يتمتع به أي من الحكام السابقين للبحرين من أفراد أسرته.

هل تلتزم البيئة التشريعية التي تنظم عمل الجمعيات في البحرين بالمعايير الدولية؟ وهل ستقومون بتسجيل المركز مرة أخرى ضمن قانون الجمعيات في البحرين ؟

نبيل رجب: البحرين لازالت تعمل بقانون جمعيات لا يلتزم بالمعايير الدولية المتعارف عليها. وتتحدث وزارة الشئون الاجتماعية عن قانون جديد سيطرح قريبا، ولكننا نسمع به منذ عدة سنوات دون أن نلمس شيئًا على أرض الواقع. ويبدو أن القانون الجديد سيكون أفضل من السابق ولكن المؤشرات تقول إنه سيحافظ على تقييد المجتمع المدني. نحن ننتظر اعتماد القانون الجديد المزمع إصداره؛ لنرى كيفية تطبيقه ولنحدد موقفنا الواضح إزاءه. وكذلك لنقرر إن كنا سنعيد عملية تسجيل مركز البحرين من عدمه. ولا بد أن نشير إلى أن وزارة الشئون الاجتماعية تقوم بدور متعاظم في تقييد عمل مؤسسات المجتمع المدني والتدخل في شئونها بشكل سافر ومتكرر. فهي التي يرخص لأي فعالية تقام من قبل تلك الجمعيات وهي التي تسمح أو تمنع ضيوف الجمعيات من الحصول على التأشيرات للدخول وهي التي تسمح أو ترفض استلام هذه الجمعيات للمعونات والمساعدات لمشاريعها وهي التي تسمح أو تمنع إقامة الندوات والمؤتمرات وهي كل شيء في كل وقت، بل كأنها خلقت لتضع العراقيل والقيود لعمل هذه المؤسسات عوضا عن التسهيلات والدعم الذي يفترض منها أن تبذلهما لمساعدة مؤسسات المجتمع المدني.

ما العوائق التي تواجه عمل منظمات حقوق الإنسان الدولية في البحرين؟

نبيل رجب: الحكومة البحرينية لا تسمح أساسًا للمنظمات الإقليمية والدولية بفتح فروع ومكاتب لها في البحرين.

يثور الحديث في الآونة الأخيرة عن استفحال ظاهرة المنظمات الجونجوز (GONGOs) في البحرين. متى بدأ ظهور هذه المنظمات وكيف تكتشفونها؟

نبيل رجب: نعم هي ظاهرة أصبحت مقلقة وشبيهة بتلك التي في تونس. وقد عبرنا مرارا عن استنكارنا لهذه السياسة التي تسعى لخلق مجتمع مدني وھمي ومزور وعمل حقوقي مزیف؛ في محاولة لتضلیل الرأي العام المحلي والدولي والتشویش على المنظمات وأفرادها الفاعلة من خلال ما توفره لھا السلطة من دعم مالي ولوجستي وتسهیلات إعلامية . ويتضح  ذلك من خلال خلق وتأسیس عدد متزاید من الكیانات والمؤسسات والمنظمات والجمعیات الحقوقیة والسیاسیة المزورة، لتبدو كأنھا مؤسسات مجتمع مدني إلا أنها أذرع متنوعة للسلطة. في سبتمبر من العام ٢٠٠٦ أرسلت مائة شخصیة حقوقیة وسیاسیة ومھنیة خطاباً إلى ملك البلاد  تعبر فیه عن قلقھا تجاه تلك المؤسسات المزورة، وخصوصا ما تضمنه تقریر البندر الذي أشار إلى وجود شبكة سریة متغلغلة داخل أجھزة الدولة، أحد أھدافها الرئيسية ھو تشویه سمعة المنظمات والمدافعین عن حقوق الإنسان والعمل على خلق مؤسسات مجتمع مدني وھمیة ومحاولة اختراق المستقلة منھا.  ووفقا لھذا التقریر، یشترك في ھذه الشبكة مؤسسات حكومیة علیا وشخصیات سیاسیة وإعلامیة، وفریق من الاستخبارات الأردنیة، ومجموعة إعلامیة مصریة ويرأسها أحد أفراد الأسرة الحاكمة وهو الشيخ احمد بن عطية الله الخليفة. وقد رصد لعمل ھذه الشبكة مبالغ ضخمة تقدر بملایین الدولارات لتنفیذ هذا المشروع الذي بدأ فعلیاً منذ العام ٢٠٠٤ بعد إغلاق مركز البحرين لحقوق الإنسان.
وتأتي سياسة خلق منظمات الجونجوز كرد فعل على النشاط المتصاعد لمنظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني التي نجحت بشكل متمیز في رصد وتوثیق انتهاكات حقوق الإنسان، وتقوم بالتشبيك مع المنظمات والمؤسسات الدولية وترفع تقارير دوریة إلى لجان الأمم المتحدة المعنیة وإلى المقررين الخواص، وقد تسارعت وتیرة عمل المنظمات في الرصد والتوثیق نتیجة لازدیاد انتهاكات حقوق الإنسان. إن السلطة تعمل على خلق منظمات حقوق إنسان "وهمية" لتستخدمها في مضایقة المنظمات والنشطاء الحقوقیین ذوي المصداقیة ووضع العراقيل أمام نشاطهم، وإصدار تصریحات وبیانات تشوه لسمعتھم، فضلا عن البیانات الكاذبة التي لا تعبر عن الواقع الحقوقي بنزاھة أو حیادیة. ولكننا استطعنا كشف طبيعة هذه المؤسسات للعالم الخارجي وأصبحت مكشوفة وأعضائها منبوذون في الداخل والخارج.

 حدثنا عن طبيعة الأزمة بين الحكومة وبين مركز البحرين لحقوق الإنسان؟

نبيل رجب: إن تجربة مركز البحرين لحقوق الإنسان منذ إغلاقه رسميا في 25 سبتمبر 2004، تكشف أبعادا مختلفة عن الأوضاع السياسية والقانونية وأوضاع حقوق الإنسان القائمة في البحرين. كما إن هذه التجربة الفريدة تقدم نموذجا لمؤسسة حقوق إنسان تقع في منطقة التجاذب بين العمل النخبوي التقليدي والعمل الشعبي، بين التثقيف والتدريب وبين الرصد وتمكين الضحايا من الدفاع عن حقوقهم، بين توطيد العلاقة مع أجهزة السلطة وبين مواجهتها، بين الحقوق المدنية والسياسية التي ينشغل بها الناشطون عادة وبين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفوق كل ذلك بين المنع الرسمي والملاحقة القانونية وبين النشاط العملي والعلني المتصاعد. فعندما قامت السلطات بإغلاق المركز رسميا؛ خسر المركز مقره المتواضع في منطقة العدلية، وبذلك افتقد السكرتارية المركزية، وضعف نظام المراجعة اليومية في القضايا الفردية. كما فقد المركز الإطار القانوني الذي يسهل له التعامل مع المؤسسات الرسمية وإجراء المعاملات المالية والتنظيمية مع الجهات الأخرى. كما إن بعض الجهات الأهلية والسياسية الموالية للسلطة أو التي تخشى ضغوطها قد فضلت تجنب التعامل مع المركز.أما وسائل الإعلام المحلية الحكومية وشبه الحكومية فقد فرضت حضرا كاملا على نشاطات وبيانات المركز، وتبعتها في ذلك بعض الصحف غير الحكومية. كما امتنعت بعض الجمعيات والنوادي من تأجير مقارها لفعاليات المركز أو دعوته رسميا للمشاركة في فعاليات تديرها؛ وذلك خشية التعرض لضغوط الحكومة. لكن في المقابل، فقد تحرر المركز من قانون الجمعيات لعام 1989 الذي كان يقيد حركته، وكان القانون المذكور هو الأداة التي استخدمتها الحكومة لتهديده عدة مرات ومن ثم إغلاقه، وذلك بعد تنظيمه لمجموعة من الندوات الجماهيرية الحاشدة والتقارير والدراسات التي تتناول قضايا التمييز والامتيازات والفقر والفساد، وتدشينه لمجموعة من الحملات الناجحة والاحتجاجات التس استهدفت إطلاق سراح معتقلين أو المطالبة بحقوق مجموعات متضررة. وقد كان لكل ذلك النشاط أثره الشعبي والدولي ولذلك فبمجرد إغلاق السلطة للمركز وقيام أجهزة الأمن باعتقال مديره التنفيذي؛ اجتاحت البلاد سلسلة من الاحتجاجات الشعبية المتواصلة وشهدت حملة تضامن دولية واسعة. بعد نجاح تلك الحملة، ذاع صيت المركز دوليا وإقليميا، واتخذت الجمعية العمومية قرارا بفك الارتباط بقانون الجمعيات لعام 1989 ومواصلة النشاط برغم المنع الرسمي والتهديد بالسجن والغرامة وفقا للقانون. لقد تم إغلاق المركز ولكنه واصل النشاط عمليا، ونشأت من رحمه مجموعة من الجمعيات الحقوقية واللجان الشعبية تستحوذ على الجزء الأهم من حراك البلاد الحقوقي والمدني. وبسبب هذا النشاط المتصاعد يتعرض المركز إلى حملة تشويه داخلية وخارجية، كما تعرضت رموزه للاستهذاف الدائم على الصعيد الإعلامي والقضائي والاعتداءات البدنية. وفي المقابل أثبت المركز خلال الأعوام الماضية أنه، على الرغم من كل الضغوطات، قادر على الاستمرار في حمل رسالته في داخل البحرين وخارجها، فهو باق ومستمر، والقوانين والممارسات القمعية هي التي يجب أن تذهب وتتبدل.

 في العام الماضي تم الإعلان عن عفو ملكي بحق 178 من المعتقلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين. هل تم تنفيذ العفو بشكل كامل أم أن المشمولين بالعفو لا يزالوا رهن السجن؟

 نبيل رجب: على الرغم من صدور عفو ملكي عن 178 من المعتقلين السياسيين والمدافعين الحقوقيين والمشاركين في التظاهرات التي شهدتها القرى والمناطق البحرينية، والمتهمين في قضايا ذات صبغة أمنية إلا انه لم يفرج عن جميع المشمولين بالعفو. ولا يبدو أن العفو يعني إسقاط الاتهامات أو الأحكام التي طالت هؤلاء الأشخاص المفرج عنهم، بل لم يتم نشر قرار أو مرسوم العفو في الجريدة الرسمية مما يعني بطلانه قانونيا. وكثيرا ممن تم الإفراج عنهم تم اعتقالهم فيما بعد باتهامات مختلفة وهم غالبا يقضون فترة محكوميتهم أو ينتظرون صدور الأحكام عليهم.
 

هل يوجد لديكم إحصاء دقيق لعدد المعتقلين في البحرين؟

نبيل رجب: منذ 3 سنوات تتفاقم حدة الأوضاع وتتزايد التظاهرات التي ينتهي بعضها بمواجهات مع القوات الخاصة – التي تتألف من بعض الجنسيات الآسيوية – وبين المواطنين البحرينيين. وأسفر هذا عن اعتقال المئات خلال السنوات الماضية، إلا أن أغلبيتهم يتم الإفراج عنهم فيما بعد؛ لعدم ثبوت أي تهم ضدهم. والبعض الأخر ربما أنهى فترة عقوبته التي تتراوح بين 6 شهور إلى 3 سنوات غالبا. ويوجد الآن ما بين 60 إلى 70 فردا أو ناشطا يقضي فترة العقوبة أو ينتظر صدور الحكم بشأن الاتهامات التي يواجهها. الأرقام مرشحة إلى التصاعد إن لم تكن هناك مبادرات سياسية جدية من قبل قادة البلاد لحل الأزمة السياسية وتخفيف حدة الاحتقان التي تمر بها البلاد.
 

المنظمات البحرينية والدولية تنشر بين الحين والآخر تقارير عن التعذيب في البحرين. هل تحقق الحكومة في شكاوى التعذيب؟

نبيل رجب: تزعم الحكومة إنها قد حققت في بعض دعاوي التعذيب إلا إنها لم تعلن عن طبيعة تلك التحقيقات ولا الأشخاص الذين استهدفهم التحقيق أو نتائج تلك التحقيقات أو إن كان أي منهم قد تم تقديمه للمحاكمة وما نتيجة تلك الأحكام. ولغياب هذه المعلومات تصبح لدينا شكوك كثيرة في ان كان هناك تحقيق أصلا مع عدمه. كما لا توجد قوانين رادعة لهذه الجريمة بالبحرين، وحسب علمنا لم تتم محاكمة أي من رجال الأمن حتى الآن في جريمة تعذيب.

 هل تعريف القانون البحريني لجريمة التعذيب يتماشى مع المعايير الدولية؟

نبيل رجب: على الرغم من ورود توصية بذلك في الملاحظات الختامية للجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة؛ إلا أن القانون البحريني لا يزال مفتقدًا إلى التعريف الصحيح لجريمة التعذيب حسب ما أشارت له اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. المجتمع المدني في البحرين مهموم بهذه القضية، وطالما لم تستجب الحكومة لنداءتنا ولتوصيات لجنة مناهضة التعذيب؛ سنظل نطالب بالقضاء على التعذيب، وبتكييف المنظومة القانونية بالبحرين مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ماذا عن وضعية حرية التعبير في البحرين؟

نبيل رجب: لقد تدهور وضع البحرين في حرية الرأي والتعبير منذ عام 2002، وهو العام الذي حصلت فيه البحرين على المركز 67 بين دول العالم حسب مؤشر منظمة مراسلون بلا حدود. وفي عام 2007 تراجعنا إلى موقع 97 على دول العالم، وفي عام 2009 حصدنا مزيد التراجع؛ حث تبوأت البحرين المركز رقم 119 من بين 170 دولة شملهم التقرير. والبحرين تعد من الدول التي هي تحت المراقبة في موضوع الرقابة على الانترنت حسب نفس المنظمة، بل تعتبر البحرين واحدة من أكثر دول الشرق الأوسط رقابة وتقييدا لحرية الوصول إلى واستخدام شبكة لانترنت.
 

بعد نحو 8 سنوات من الوعود أعلنت الحكومة البحرينية في أبريل 2010 عن عزمها تأسيس هيئة وطنية لحقوق الإنسان. في سياق الوضعية الحالية لحقوق الإنسان ولعملية صنع القرار كيف استقبلتم هذه الخطوة؟

نبيل رجب: بعد انتظار ووعود قدمتها حكومة البحرين للأمم المتحدة بإنشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان؛ صدرت أوامر تشكيل هذه المؤسسة دون اكتراث بمشروع القانون المقدّم من أعضاء مجلس النواب لتشكيل الهيئة وفقا لمبادئ باريس، كما لم يتم التشاور مع أي من فئات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية. وباستعراض أسماء من تم تعيينهم في هذه المؤسسة نجد بأنهم: 5 أشخاص من ذوي المناصب في وزارات وهيئات حكومية، و6 أشخاص ممن عينوا بمجلس الشورى السابق أو الحالي والذين يتم استخدامهم  في تمرير سياسات النظام، و5 أشخاص من العاملين في منظمات مصطنعة من قبل الحكومة أو ما يطلق عليها بمنظمات (GONGOs)، و4 أشخاص آخرين مقربين من الحكومة بينهم كاتب صحافي وضابطين سابقين في وزارة الداخلية وقوة الدفاع. وهكذا فإن معظم الأعضاء – في  الهيئة التي يفترض فيها التمتع بالاستقلال – هم من الموالين سياسيا للنظام الحاكم. وفي هذا الإطارنعتقد إن إنشاء الهيئة لا يهدف لإصلاح أوضاع حقوق الإنسان بقدر ما يهدف لتلميع صورة السلطة في الخارج، ولاحتواء العمل الحقوقي المستقل الذي أصبح له تأثير واضح للجميع. وما يؤكد عدم جدية الحكومة أيضا هو أن إنشاء الهيئة يأتي في الوقت الذي تنتهج فيه السلطة سياسة ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان وتعمل على تشويه سمعتهم، وفي ظل تصاعد الانتهاكات المتعلقة بالحريات العامة وحقوق الإنسان والتمييز الطائفي والفساد. وعلى الرغم من كل ذلك؛ إلا أننا سنظل نراقب أداء هذه المؤسسة ونرى مدى جدية أعضائها في تحسين أوضاع حقوق الإنسان، فهناك بعض المؤسسات الحكومية أو القريبة من السلطة، التي لم تتقيد بمبادئ باريس، إنما كان لنشاطها وعملها دور بارز في تحسين أوضاع حقوق الإنسان في بلدانها. والخلاصة أن عملها في الأشهر القادمة سيظهر حقيقتها وجديتها، خصوصا في تناول ملفات مثل التمييز الطائفي والتجنيس السياسي والتعذيب في السجون.


*نص حوار أجريته مع السيد نبيل رجب ونُشر في نشرة (سواسية) التي يصدرها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، يونيو 2010. 



**في يوليو 2010 تم تعيين السيد نبيل في منصب نائب الأمين العام للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان. وهو الأمر الذي يجدد الأمل في أن المجتهدون قد ينالون، من حين لآخر، بعضًا من التقدير الذي يستحقونه في حياتهم.

2 comments:

  1. أحب اهنيك يا رجب علي المدونة المفيدة والجميلة..
    خطوة مهمة جداً و اعتقد اني هاشوف فيها ابداعات
    اوعدك اني اقرا الحوار.. انا فقط حبيت اهنيك دلوقتي

    ReplyDelete
  2. الله يخليك يا عز، وكل سنة وأنت طيب، رمضان كريم.
    أنا متشكر جدًا على كلامك الجميل. وأتمنى فعلاً إن المدونة ومحتوياتها يكونوا عند حسن ظنك. وفي أي وقت يكون عندك ملاحظات أرجو أن لا تبخل عليّ بها.

    ReplyDelete