Tuesday, August 17, 2010

إشكالية حرية الرأي والتعبير في مجتمعات مختلفة


في عام 2006، وعلى خلفية أزمة الرسوم الكارتونية الدانماركية وتداعياتها، ومن منطلق الإيمان بأهمية الحوار بين ضفتي المتوسط، وضرورة العمل على إذابة الجليد بين الطرفين، أتت فكرة برنامج حرية الرأي والتعبير عبر الثقافات، والذي كان ثمرة تعاون مشترك بين عدد من المنظمات العربية والدولية، بمبادرة من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وبالتعاون مع معهد الإعلام الدولي بالدانمارك، وبالتنسيق مع الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ومركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، ومنظمة المادة 19. فعاليات البرنامج ضمت ورشتين الأولى في كوبنهاجن والثانية في القاهرة.  كنت منسّق الثانية ومحرر الكتاب الذي صدر في ذات العام واشتمل على الأوراق البحثية التي قدّمت خلال فعاليات البرنامج، وكان عنوانه (الأديان وحرية التعبير: إشكالية الحرية في مجتمعات مختلفة). وفيما يلي نص تقرير عن فكرة ونشاط البرنامج في العاصمة الدانمركية والعاصمة المصرية. وقد نُشر التقرير في العدد رقم 44 من مجلة رواق عربي.


كأنما العالم أضحى مدمنًا على الأزمات الثقافية بين مجتمعاته المختلفة. فلم يعد هناك مجالاً للشعور بالدهشة إزاء زفير الجماهير الغاضبة في المظاهرات، وأدخنة الحرائق المندلعة في دور العبادات ومقار السفارات، كما أصبحت من عادة الجميع متابعة أخبار سفك الدماء وصور الضحايا خلال جلسات السمر أمام التلفاز. يبدو أن مثل هذه الأزمات قد انضمت إلى باقة مشكلاتنا المزمنة الأخرى، كالفقر والإرهاب واختلال موازين القوى، كعنصر جديد وربما كمحصِّلة لها!


ودائما ما توجّه أصابع الاتهام إلى تعبير فج عن الرأي، ودومًا يكون المقدس الضحية، وكثيرًا ما تحتدم الأزمة بين شمال وجنوب المتوسط، وغالبًا ما يكون المسلمين هم أصحاب سرادق العزاء.

إنّ تجاوز حرية الرأي والتعبير للحدود التي وضعتها مجتمعات ما، هو سر صناعة الأزمات الثقافية التي لم يتبيّن فيها بعد الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وموضع الحيرة، ومحل الجدل الذي لا يوجد ما يبشِّر بقرب الحصول على نتيجة له، يتوافق عليها المتنابذون الذين قرروا – فيما يبدو – ألا يصبح اختلافهم رحمة لأحد!

برنامج حرية الرأي والتعبير عبر الثقافات

ولكن هذا لا يقف حائلاً دون وجود من يحمل على عاتقه مهمة رأب الصدع، وردم الفجوة، بين المجتمعات المختلفة بحضاراتها المتمايزة، وتبادل المعرفة فيما بين الثقافات. فعلى ضوء أزمة الرسوم الكارتونية الدانماركية وتداعياتها، ومن منطلق الإيمان بأهمية الحوار بين ضفتي المتوسط، وضرورة العمل على إذابة الجليد بين الطرفين، أتت فكرة برنامج حرية الرأي والتعبير عبر الثقافات، والذي كان ثمرة تعاون مشترك بين عدد من المنظمات العربية والدولية، بمبادرة من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وبالتعاون مع معهد الإعلام الدولي بالدانمارك، وبالتنسيق مع الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، ومركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، ومنظمة المادة 19.

المحطة الأولى: كوبنهاجن

خلال فعاليات البرنامج عقدت ورشة عمل أولى بالعاصمة الدانماركية كوبنهاجن في الفترة من 1 - 5 نوفمبر 2006. وقد تنوعت جنسيات المشاركين بين شرقية عربية وغربية، كما أثرَّت خلفياتهم الثقافية والفكرية المتعددة على رؤاهم حول حرية التعبير، كيف تكون، وهل من حدود ينبغي الالتزام بها عند التعبير عن الآراء؟ أم أنها مطلقة بلا حدود؟ وما موقع حرية الرأي والتعبير في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان؟ وهل يتم تطبيق تلك المواثيق بمثالية في المجتمعات الغربية؟ أم أنها تعرَّضت لتأويل ما يعرِّض مبادئها للتحريف؟! وهل يمكن أن تتفق الثقافتين الإسلامية والغربية على قيم إنسانية يتم على أساسها وضع معايير قانونية لحرية التعبير؟

اجتمع المشاركون في كوبنهاجن مع مسئولين في عدد من الصحف الدانماركية، ومسئولين بمنظمة الإسلاميين الديمقراطيين بالدانمارك، ومدير الوقف الإسلامي الاسكندنافي، كما شهدت فعاليات البرنامج تشكيل فرق عمل، من الصحفيين المصريين والدانماركيين، قامت بعقد لقاءات مع عدد من المسئولين الدانماركيين والصحفيين ونشطاء المجتمع المدني الدانماركي، والمواطنين الدانماركيين، وعدد من الجاليات المسلمة في الدانمارك.

البرنامج سعى لاستهداف عدد مختلف من الفئات، وخاصة الصحفيين الشباب من مصر، الذين تبادلوا الرؤى والخبرات مع نظراؤهم في الدانمارك، وتعاونوا في كتابة عدد من المقالات عن حرية الرأي والتعبير، حظيت بالنشر في بعض الصحف الدانماركية، ويعد هذا من أهم الخطوات التي نجح فيها البرنامج. كما شهدت فعاليات البرنامج عقد ورشة عمل، ناقش فيها المشاركون السبل العلمية المختلفة لتعزيز التفاهم والحوار عبر وبين الثقافات. كما شاركت مجموعة من الصحفيين المصريين في المؤتمر السنوي لاتحاد الصحفيين بالدانمارك، والذي خصصت إحدى جلساته لتناول أوضاع الصحافة العربية.

دوافع نشر الرسوم الكارتونية

في لقاء مع صحيفة بوليتكن الدانماركية اليومية، أشار رئيس تحريرها إلى أن الهدف الرئيسي وراء التفكير في نشر الرسوم، لدى جريدة يولاندز بوسطن التي قامت بنشرها، كان توجيه رسالة إلى المسلمين الدانماركيين الرافضين للاندماج في المجتمع الدانماركي، حيث يتزايد الخوف لدى الدانماركيين والغرب بشكل عام، إزاء تغير الطبيعة السكانية والخريطة والثقافية والاجتماعية في بلدانهم، بسبب الحضور المتنامي بشكل لافت، للجاليات الإسلامية، ورفض الكثيرين من أبنائها للاندماج في المجتمعات الغربية على أساس المواطنة.

وقد أكّد رئيس التحرير على أمرين؛ الأول: أن موقف جريدته يتمثّل في رفض المساس بحرية التعبير، والثاني: أنها في نفس الوقت تختلف مع مضمون تلك الرسوم والمادة التحريرية المصاحبة لها.

تطور الخطاب الأصولي في الدانمارك!

التقى المشاركون مع السيد أحمد أبو لبن، مدير الوقف الاسكندنافي في كوبنهاجن. حرص أبو لبن على نفي الوهم الذي يشاع في العالم العربي، عن أن الأوروبيين يدخلون الإسلام أفواجًا، إذ اعتبرها مغالطة لا تتفق مع الواقع، حيث يوجد نفور متزايد بشكل عام في أوروبا، خاصة في الدول الاسكندنافية.

كما رصد الحضور تطورًا هامًا على خطاب أبو لبن، يعكس تغيّرًا في وعيه وإدراكه، حول الطريقة المناسبة للتعامل مع أزمة نشر الرسوم الكارتونية، وبالهدف من طرحها إعلاميًّا، إذ بدا واقعيًا في خطابه، حين تحدَّث عن ضرورة الاستعانة بفقه الأقليات، لأنهم على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم الفكرية، غير مكلفين بفعل ما لم تستطع جماعاتهم الأم في أوطانهم الأصلية أن تقوم به، وهو إنشاء "خلافة إسلامية"، فما بالك وهم بالدانمارك!!

إسلاميون نعم، وديمقراطيون أيضًا

عقب أزمة الرسوم تأسست بالدانمارك مؤسسة الإسلاميين الديمقراطيين، وقد وضَّح أحد مؤسسيها في لقاء مع المشاركين، أن التأسيس جاء ليعبِّر عن صوت المسلم الديمقراطي الذي يقر بالدستور الدانماركي، ويسعى للمشاركة في المجتمع على أساس المواطنة، كما جاء أيضًا ليقدّم بديلاً عن الصوت الراديكالي الذي كان يقدّم باعتباره ممثلاً وحيدًا عن المسلمين في الدانمارك، والمنظمة تعلن أنها مؤسسة علمانية في مجتمع علماني، تقر بأن الدين علاقة شخصية بين العبد والرب. وشرط العضوية الأساسي أن يكون المرء مسلمًا فحسب، دون الدخول في الاختلافات المذهبية والعرقية، ومن الشروط أيضًا:

- اعتبار المواطنة الدانماركية والدستور الدانماركي هو الإطار الذي تتحدد فيه الحقوق والواجبات.

- الحفاظ على حرية التعبير وحقوق الإنسان والحق في المساواة.

- أن 50% من مجلس إدارة المنظمة ينبغي أن يكونوا من النساء.

- أنهم ضد عقوبة الإعدام.

استطلاع للرأي: الدانمارك العدو رقم 2‍!

تلقى المشاركون دعوة للقاء السفيرة المصرية بالدانمارك، وقد حضر اللقاء أيضًا رئيس هيئة تنشيط السياحة الذي كان في زيارة عمل للدانمارك. وتطرَّق الحوار للآثار السلبية التي تركتها أزمة الرسوم على حركة السياحة في مصر، كما نوقشت نتائج استطلاع الرأي الصادر عن مجلس الوزراء، حول ما هي الدول الصديقة وما هي الدول المعادية لمصر؟ إذ أسفر الاستطلاع عن وضع الدانمارك في المرتبة الثانية في قائمة الدول المعادية لمصر، بعد إسرائيل وقبل بريطانيا وأمريكا. وفي هذا الإطار اعتبر أغلب الحضور أن طريقة إجراء الاستطلاع لم تكن منضبطة علميًا، فضلاً عن أن إعلان نتائجه إعلاميًّا كانت له آثاره المضاعفة على الجهود التي تبذل لتجاوز الآثار السلبية لأزمة الرسوم على كافة المستويات، الأمر الذي يحيط هذا الاستطلاع بالكثير من علامات الاستفهام.

استفادة من أزمة الرسوم

خلال النقاشات والمداولات بين المشاركين خلال ورشة العمل، أدلى الصحفيين بشهاداتهم عن نتائج فرق العمل التي شُكِّلت من المصريين والدانماركيين. وقد لاحظ عدد منهم أن أسلوب التعامل مع قضية فيديو شباب حزب الشعب، تكشف عن أن الأزمة بدأت في الانحسار، فالطرفين، الإسلامي والدانماركي، قد تعلموا الدرس جيدًّا. فها هو رئيس الوزراء الدانماركي يبادر بالتبرؤ من هذا الفيديو، ومصرّحًا بأنه لا يعبّر عن المجتمع الدانماركي ولا حكومته، إنه فيديو صنعته فئة سيئة ومشينة. أما الجانب الإسلامي فقد شعر بأن هناك من يحاول استفزازه للوقوع في الفخ، كي يأتي بتصرفات انفعالية، تسمح بأن تؤدي العناصر المتطرفة دورها في الحرق والتدمير المعتادين لتشويه صورة الإسلام، وتزيد الفجوة مع الغرب، ويخسر العالم الإسلامي حليفًا اسكندنافيًّا طالما دعَّم القضية الفلسطينية بشتى أنواع الدعم.

قواعد المهنة هي الفيصل!

اتفق أعضاء إحدى الفرق الصحفية، على العمل سويًّا من منطلق الالتزام بقواعد مهنة الصحافة، والتي على رأسها أن عرض وجهات نظر مختلفة في أي موضوع يفرض أن يتم عرض الحقائق أيضًا، وبموضوعية. وقد توصَّلا إلى العديد من نقاط الاتفاق عندما قاما بذلك، حتى أنهما أعادوا تسمية الأزمة وفق معطيات موضوعية، فقد كانت الأزمة تسمى حسبما هو شائع بالدانمارك بـ "أزمة محمد"، ولأن النبي محمد ليس بيننا الآن ليشعل أي أزمة، فإن التسمية الأوفق هي "أزمة الرسوم"، حيث إن الرسوم هي من فجرَّت وصنعت الأزمة وليس محمد.

ومن ناحية أخرى فإن التزام المهنية عند البحث في أسباب عدم وجود مسجد كبير في الدانمارك، قد أدي إلى التوصل إلى أن ذلك لا يعود لأسباب قانونية، أو لاعتبارات سياسية تخص الحكومة الدانماركية، وإنما يكمن السبب في عدم اتفاق الجالية المسلمة على رأي موحد في تلك المسألة، سواء في شكل المسجد أو في توفير تمويل البناء؛ نظرًا لما تعانيه الجالية من تشتت على مستوى المذاهب والإثنيات.

حدود حرية التعبير في أزمة الرسوم

قدّم د. رضوان زيادة، مدير مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، ورقة بحثية تطرَّق فيها لعدد من النظريات التي ناقشت حرية التعبير وحدودها سواء في المعاهدات الدولية أو بالقانون الأمريكي، رابطًا ذلك بالتطور التاريخي لمفهوم الديمقراطية، وكاشفا عن أن حرية التعبير تتغير حدودها بتغير نتائج الصراع القائم بين السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) حول تصوراتها لحرية التعبير. وتنتهي الورقة إلى أن نشر الرسوم كان نوعًا من التحريض على الإساءة، وأن الدفاع عن حرية الرأي والتعبير يجب ألا يؤخذ كذريعة للتحريض على أقلية داخل المجتمع. خاصة إن كانت تلك الأقلية ذاتها لا تشعر أنها ممثلة داخل مؤسسات المجتمع المختلفة وبخاصة في الإعلام. وقد أكد على أن حماية حق الأقلية في التعبير عن وجهة نظرها في مواجهة رغبات الأكثرية، يقدِّم أفضل ضمان لحريات الرأي والتعبير.

وقد قدَّم كليوس روثسيتن، من الفرع الدانماركي للرابطة الدولية للصحفيين والكتاب، وجهة نظر مؤيدة لما طرحه زيادة، مطالبًا بعدم منع الأطراف التي تضررت بسبب إساءة استخدام حرية التعبير، من حقها في ممارسة حرية التعبير للدفاع عن نفسها. ومؤكدًا أن إفساح المجال للصحفيين ليكتبوا ويعبِّروا عن آرائهم كيفما شاءوا، لا يعني أن على المجتمع الموافقة على ما يطرحوه.

قوانين ازدراء الأديان تقيّد حرية التعبير

كانت هناك ورقة بحثية أخرى قدمتها سارة ريشاني، من منظمة المادة 19، حيث تطرح وجهة نظر المنظمة في أزمة الرسوم، مشيرة إلى أن المنظمة تعتبر قوانين ازدراء الأديان من الأسباب التي تكبِّل حرية التعبير، لأنها تستخدم من قِبَل رجال الدين بشكل موسع، وتستغل في غير محلها. وترى  المنظمة أن الحوار، وليس قانون منع ازدراء الأديان، هو الحل الناجع لكثير من الأزمات المتعلقة بالأديان، وأن قانون منع ازدراء الأديان قد يتعارض مع الحق في الاعتقاد ذاته، باعتبار أن عدم الالتزام باحترام الأديان يعد معتقدًا هو الآخر عند البعض.

كما أشارت الورقة إلى ما يمكن استشعاره من قلق على الحريات الأكاديمية والفنية والإبداعية من جرَّاء استخدام قوانين منع ازدراء الأديان. وقد حرصت الورقة على أن تفرّق بين رفضها لقوانين منع ازدراء الأديان كسبب تقيّد من أجله حرية التعبير، وبين ما يسمى بالحض على الكراهية الذي تقبله كسبب تقيّد من أجله حرية التعبير؛ مما يساعد على صون الحق في المساواة، وحماية الأقليات من الممارسات العنصرية. فضلاً عن أن الحض على الكراهية يُعد معيارًا واضحًا وملموسًا، بخلاف مفهوم الإساءة أو الازدراء، الذي يتسم بكونه فضفاض ويمكن تأويله بأشكال متباينة ومتعددة.

المحطة الثانية: القاهرة

كان المشاركون على موعد في الشهر التالي، مع ثاني محطات البرنامج، والتي عقدت بالعاصمة المصرية، القاهرة، في الفترة من 6 – 8 ديسمبر 2006. وذلك بمشاركة عدد من الإعلاميين والفنانين والأدباء والحقوقيين والأكاديميين، من مصر ولبنان وسوريا والمغرب وفرنسا والدانمارك.

وقد نظَّم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، في 6 ديسمبر، لوفد من المشاركين العرب والدانماركيين، برنامجًا للزيارات، ضم لقاءات مع مسئولين في دار الإفتاء المصرية، وكنيسة ماري جرجس، ونقابة الصحفيين، وصحيفة المصري اليوم المستقلة الخاصة؛ وذلك لتبادل الخبرات والآراء حول المعوقات التي تجابه حرية الرأي والتعبير في مصر.

دار الإفتاء المصرية

اجتمع الوفد مع الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى ومدير إدارة التدريب بدار الإفتاء المصرية، وقد تركَّز الحوار الذي دار بينه وبين أعضاء الوفد على مسألة الرسوم الدانماركية المسيئة للرسول، وموقف دار الإفتاء منها. وقد أكَّد الورداني على أنه ينبغي التفرقة ما بين حرية الرأي وبين حرية التعبير، فالإنسان له حق اختيار عقيدته، فلا إكراه في الدين، لكنه يرى أنه لا بد من مراعاة كرامة الإنسان وحقوقه وحقوق الله عند التعبير عن المعتقدات والآراء وألا يتناول هذا التعبير معتقدات الآخرين بسوء. وقد تطرَّق الحوار إلى إشكالية تتعلَّق – في حال وجود قيود على حرية التعبير – بكيفية تحديد وقياس ما يسيء إلى الآخرين، وقد أجاب الورداني بأنه إن كان من المتعذر أن تُلزِم الناس بما يقولونه، فعلى الأقل نطالبهم باحترام معتقدات الآخرين، مشيرًا إلى أن الرسوم قد سببت آلامًا للمسلمين، الذين يمنعهم قرآنهم من سب الناس حتى إن كانوا من الكافرين، وقد بيّن الورداني أن معرفة ما يسئ إلى الآخرين لن يتأتى إلا من خلال الإطلاع على ثقافتهم، وأن المطّلعون في الغرب على ثقافة المسلمين، يدركون أن الدين مكوِّن رئيسي في حياة المسلمين، وأن الإساءة التي توجه لدينهم ورموزه يعتبرونها إساءة موجهة لهم.

نقابة الصحفيين

كان في استقبال الوفد في نقابة الصحفيين الأستاذ إبراهيم منصور والأستاذ يحيى قلاش عضوي مجلس النقابة، وتناول الحوار المشاكل والمعوقات التي تواجه حرية الصحافة في مصر، وبخاصة فيما يتعلَّق بحبس الصحفيين، وكيفية مواجهة النقابة لهذه المشكلات، ودورها في تعزيز حرية الرأي والتعبير. أشار منصور إلى أن النضال مستمر داخل النقابة، ومنذ عدة أجيال، ضد حبس الصحفيين؛ فالنقابة تقوم بإعداد قانون يتم التفاوض عليه مع الحكومة لمنع الحبس، كما سبق منذ فترة قصيرة أن كافح الصحفيون ضد قانون وضعته الحكومة قد يتسبب في حبس الصحفيين، وقال إن النقابة تستفيد من وجود 6 من أعضائها في البرلمان، تمارس من خلالهم الضغط على الحكومة، وأضاف أنه في معركة الصحفيين ضد قانون الحكومة الذي يؤيد حبس الصحفيين – رغم وعد رئيس الجمهورية بإلغاء الحبس – قد قامت 25 صحيفة بالاحتجاب احتجاجًا على القانون، هذا في وقت ينتظر فيه عدد من رؤساء التحرير والصحفيين صدور أحكام في قضايا رفعت ضدهم بتهمة إهانة رئيس الجمهورية. تطرَّق الحديث إلى الحراك السياسي الذي تشهده مصر في السنوات الأخيرة، مشيرًا إلى أن الجرأة التي تبديها بعض الصحف الخاصة في تناولها للموضوعات السياسية، تأتي من خلال إيمان قطاع من الصحفيين بأن الحرية لن ينتظروها كمنحة من الحكومة، وإنما عليهم انتزاعها.

كنيسة مار جرجس

بدأ الأنبا مرقس، أسقف شبرا الخيمة، حديثه بإيضاح أن الشعب المصري قد اعتاد من قديم الأزل على حب الدين واحترام رجاله، كما أكَّد أن المصريين يعيشون في وفاق، بغض النظر عن العرق والدين واللغة، وأن مصر تحيا الآن في حرية كبيرة؛ فالرئيس مبارك يتعرَّض للنقد في بعض الجرائد، وهذا الأمر كان مفتقدًا في العهود السابقة. وأضاف الأنبا مرقس أن الدستور المصري يكفل حرية ممارسة الشعائر الدينية، ولا توجد في ذلك تفرقة ما بين المسلمين والمسيحيين، لكنه أشار إلى أنه توجد بعض المشكلات تتعلق ببناء دور العبادة، ثم نبَّه إلى وجود مفارقة فيما يتعلق بالحرية الدينية، حيث إنه من حق المسيحي أن يعتنق الإسلام، لكن ليس من حقه أن يعود مرة أخرى للمسيحية إن تبيَّن له خطأ اختياره، كما أن باستطاعة المسلم الزواج بمسيحية في حين لا يستطيع المسيحي الزواج بمسلمة، فالشريعة الإسلامية تمنع هذا، وإن حدث مثل هذا الزواج بين مسيحي ومسلمة فإنه لا يتم الاعتراف به.

كما أكَّد أن المشاكل التي تثار بسبب الدين قليلة، ويمكن حلها بأن يتم تناول المشاكل من جذورها وليس بسطحية. ثم انتقل الحديث إلى موقف الكنيسة من الرسوم الدانماركية التي أساءت لرسول المسلمين، فأوضح الأنبا مرقس أنه يرفض تمامًا الإساءة لأي دين، مطالبًا بضرورة أن تكون ردود الأفعال متسمة بالمنطق والعقلانية، ومراعاة السياق الثقافي الذي تمت فيه الإساءة، وفي هذا الإطار أعلن الأنبا مرقس عن تأييده لفرض عقوبة قانونية ضد من يتناول بالإساءة الرموز الدينية.

صحيفة المصري اليوم

دار الحوار بين أعضاء الوفد والأستاذ محمد سمير، مدير تحرير صحيفة المصري اليوم، حول طبيعة المشكلات التي تواجه الصحف المستقلة عن سيطرة الدولة في مصر، من خلال الحديث عن تجربة المصري اليوم، وأوضح سمير أن الصحيفة تتخذ من المنهج الليبرالي إطارًا يرسم سياستها في النشر؛ فهي تنشر آراء الجميع، الإسلاميين والقوميين واليساريين والليبراليين، كما أنها تسعى إلى تقديم صحافة موضوعية تهتم بنشر الحدث كما هو، دون انحياز لطرف أو تحيّز ضد طرف آخر، وهذا ما ظهر في تغطيتها لأزمة الرسوم الدانماركية، حيث أنها اعتمدت على ما بثته وكالات الأنباء العالمية، وقامت بإرسال أحد صحفييها إلى الدانمارك للتحقيق في الموضوع.

وفيما إذا كانت الصحيفة قد تتعرَّض لضغوط من قِبَل الحكومة، أجاب سمير بأنهم في الصحيفة لم يعثروا حتى الآن على أدلة مادية يستطيعون الحديث عن مشكلاتهم استنادًا إليها، وذكر أن الصحيفة قد لاحظت أن هناك مشكلات تتعلَّق بالتوزيع، الذي تسيطر عليه مؤسسة الأهرام، المملوكة للدولة، مما دفعهم في الصحيفة إلى توجيه رسالة مباشرة للأهرام، على صفحات المصري اليوم، وقد زالت آثار المشكلة، ولم تتكرر من حينها!

وخلال يومي 7 و8 ديسمبر، اجتمع المشاركون في ورشة عمل بدت بمثابة جلسات استماع مطوَّلة، لعدد من ضحايا حرية الرأي والتعبير في مصر، وقد قدِّمت مجموعة من الأوراق البحثية، التي تركَّزت النقاشات حول موضوعاتها، والآراء التي وردت بها.

غياب المهنية في تغطية الصحافة لأزمة الرسوم

تطرق النقاش إلى تقييم أداء الصحافة المصرية، في تغطيتها لأزمة الرسوم، حيث وجهت لها اتهامات بأنها قامت باستعارة ذات المنهج الذي اتخذته صحيفة يولاندز بوستن، وإن اختلفت أوراق اللعب، فالورقة الرابحة في مصر لم تكن الدفاع عن حرية التعبير، وإنما كانت الدفاع عن الإسلام ورموزه، وقد تجاهلت الصحف المصرية، في غياب ساطع للمعايير المهنية، إرسال صحفييها إلى الدانمارك؛ مما أهدر الفرصة في إجراء حوار مع أطراف الأزمة مباشرة، واعتمدت بدلاً من ذلك على مصدر وحيد للمعلومات في الدانمارك، وهو التيار الإسلامي المتشدد، الذي كان يتصدر المشهد بخطابين، الأول كان متسامحًا يتعامل به مع وسائل الإعلام الأوروبية، والآخر متشدد يستخدمه مع وسائل الإعلام العربية.

كما لم يحاول الصحفيون تقديم تفسير للسياق الثقافي الغربي، المختلف عن السياق العربي والإسلامي، ولم تسعى الصحف المصرية إلى بذل محاولة جادة في نقل صورة حقيقية لحدود حرية الصحافة في أوروبا، واختلافها مع ما تجابهه حرية الصحافة في الدول الإسلامية، على المستويين النظري والعملي، بالإضافة إلى أن هذه الصحف – باستثناءات محدودة للغاية – لم تشر إلى كيفية تناول الصحف الأوروبية للمقدسات الدينية، واستخدامها المسيح عليه السلام في صور كارتونية ساخرة؛ فبدا رسامو الكاريكاتير الدانماركيون وكأنهم لم يقدموا إلا على إهانة الرسول (صلى الله عليه وسلم) والإسلام.

كما لوحظ أن كثيرًا من الصحف استغلت أزمة الرسوم؛ لتأجيج الغضب في الشارع المصري، وتفجير الاحتقان بين المسلمين والغرب، بالتذكير بأخطاء الأخير ونكأ جراح المسلمين، دون الالتفات إلى أو التذكير بما يعانيه الغرب من بعض المتطرفين المسلمين، وفى سبيل ضمان أكبر نسبة ممكنة في التوزيع؛ عمدت بعض الصحف إلى تضخيم عملية إعادة نشر الرسوم في بعض الصحف الأوروبية الأخرى، وتجاهلت الصحف المصرية، أن بعض الصحف التي أعادت النشر كانت تعبِّر عن تضامنها مع الحق في اعتناق الآراء أيًّا كانت، والتعبير عنها بأية وسيلة.

وفي هذا الإطار قامت عدد من الصحف المصرية بالترويج إلى أن الرسوم، وإعادة نشرها، لم تكن سوى جزء من حملة صليبية على الإسلام، مستغلين ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب، ورابطين في تلفيق وسطحية بينها وبين الاحتلال الأمريكي للعراق، بل بلغ الأمر ببعض الصحف أن تعاملت مع حرق علم الدانمارك فى المظاهرات، والاعتداء على البعثات الدبلوماسية الدانماركية فى بعض البلدان العربية، باعتبارها أعمالاً مشروعة، في مواجهة الاعتداء على الإسلام، وعقاب يليق بالحكومة الدانماركية التى رفضت الاعتذار عن الرسوم المسيئة!

ورغم وجود مواقف عدة معلنة في الدانمارك وفي أوروبا، تعترض على نشر صحيفة يولاندز بوستن للرسوم، إلا أنها لم تكن محل اهتمام من غالبية الصحف المصرية فى معالجتها للأزمة؛ مما ساهم في ترسيخ فكرة أن الغرب بأكمله – على ما به من تباين وتنوع واختلاف – قد اجتمع على قلب رجل واحد، في عدائه للإسلام والمسلمين.

حرية التعبير في فقه محكمة النقض المصرية

تناولت المداولات تاريخ جرائم النشر ومحاكمات الصحافة في مصر، والتي لم تعرف إلا في زمن متأخر من القرن التاسع عشر، ولم يكن حينها قد صدر بعد تشريع باستقلال القضاء، وقد ظلت حرية الصحافة، كسائر الحريات، تتعرض لجزر ومد مع تقلب أمواج الحياة السياسية في مصر، وتعرضت النصوص المنظمة للعمل الصحفي لتعديلات وتشوهات تفوق أي تصور في عددها، ودون أي منطق يساعد في فهم أسبابها، ورغم ذلك لم تعدم مصر وجود قضاة، تعاملوا مع هذه النصوص في إطار قيم الحرية والديمقراطية ما أمكنهم، وقد أكد البعض على أن أغلب التعديلات التي طرأت كانت محاولة لسد السبل أمام القضاء في تفسير هذه النصوص وفقا لمبادئ وقيم الحرية والديمقراطية.

وقد قدّم خلال الورشة عرضًا لعدد من المحطات ذات الأهمية فيما يتعلق بأحكام محكمة النقض المصرية في قضايا حرية الرأي والتعبير، والتي تُظهر أحكامها قناعة بتعريف محكمة النقض البلجيكية، بأنها تشمل ضروب الاعتداء على حقوق المجموع أو الأفراد التي تحصل نتيجة إساءة حق التعبير عن الرأي في محرر مطبوع تم نشره بالفعل، ويفسح هذا التعريف المجال أمام تمييز الجرائم التي تتم بواسطة الصحف عن نفس الجرائم إذا تمت في غير الصحف، حيث إن جرائم السب أو القذف أو الإهانة إذا وقعت بغير طريق الصحف، يكون الهدف منها غالبًا إيذاء المجني عليه في كرامته أو حرمة حياة الشخصية والحط من قدره، أما إذا وقعت ذات الجرائم بواسطة الصحف فغالبًا ما تكون بدافع النقد البنّاء وتحقيق المصلحة العامة للمجتمع، وهي غاية تربو على مصلحة الأفراد الذين تأذوا من النشر.

حرية الرأي والتعبير في فقه المحكمة الأوروبية

عند استعراض عدد من القضايا الخاصة بحرية الرأي والتعبير في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، تبيّن أن هناك صيغ تعبيرية غير مقبولة من الناحية القانونية، فحرية التعبير الفني والصحفي ليست مطلقة، وإنما تحكمها قيود وضوابط، مع الأخذ في الاعتبار أن الأصل هو الإباحة وليس التقييد.

وعند نظر المحكمة للقضايا المرفوعة أمامها، فيما يتعلق بالمادة 10 التي تحمي حرية التعبير، فإنه يتوجب على المحكمة التأكد من أن الواقعة محل الفحص تقع في إطار المادة 10، ثم استجلاء صحة أربعة جوانب متتالية، هي: وجود تدخل من السلطة العامة، منصوص عليه في القانون، ويسعى لتحقيق واحد أو أكثر من الأهداف المشروعة المنصوص عليها في الفقرة 2 من المادة 10، وضروري في مجتمع ديمقراطي لتحقيق تلك الأهداف.

في حين لا تثير الشروط الثلاثة الأولى مشكلة، فإن تقييم مدى "الضرورة في مجتمع ديمقراطي" تستدعى مزيداً من الاهتمام: فوفقًا للسوابق القضائية الأوروبية، يضطلع التقييم بتحديد ما إذا كانت الأسباب المساقة من قبل السلطات الوطنية لتبرير التدخل تبدو مناسبة وكافية أم لا، أو بعبارة أخرى ما إذا كانت تلبي حاجة اجتماعية ملحة. وفي تقييمها لذلك، تمنح المحكمة السلطات الوطنية هامش تقدير يتفاوت في سعته من قضية لأخرى، لكنه غير مطلق في كل الأحيان ويسير جنبًا إلى جنب مع إشراف أوروبي.

وقد ثار جدل حول موضوع المحرقة (الهولوكوست) والإدانة الأوروبية للتشكيك في صحتها، باعتبارها حقيقة تاريخية واضحة لا تقبل التشكيك، حيث اعترض البعض على هذه الإدانة، لأن هذا يعد بمثابة تقييد لحرية البحث العلمي في دراسة الهولوكوست كواقعة تاريخية، وقد طرحت في هذا السياق اتهامات للمحكمة الأوروبية بازدواجية المعايير في قوانينها وأحكامها القضائية، التي لم تفسح المجال في عملها لدراسة مدى تأثير تعبير كالرسوم الدانماركية على الأقليات في أوروبا، وامتداد هذا التأثير إلى قارات أخرى، بقدر ما اجتهدت في تجريم إدانة المحرقة، في حين قال البعض الآخر بأن قضية المحرقة لا (تعنينا)، ولا يوجد داعٍ لإقحامها دونما حاجة ملّحة وذات جدوى، فالعرب والمسلمون لم يشاركوا في هذه المأساة، ولن تنالهم فائدة من إثارتها أو إنكارها.

هل الدولة المصرية محايدة إزاء الأديان؟

عند التطرق لكيفية تناول وسائل الإعلام في مصر للدين المسيحي، أكد عدد من المشاركين على ضرورة أن تتمتع جميع الأديان بالاحترام اللائق، وأن تظل جميعها بمنأى عن محاولات الازدراء أو الطعن أو تناولها بالتجريح، وفي هذا السياق أعلن البعض استنكاره لما تلقاه الديانة المسيحية من ازدراء واحتقار في وسائل الإعلام المصرية، رغم أن قانون العقوبات يجرِّم ازدراء الأديان السماوية، بالإضافة إلى أن قانون الصحافة يحتوي على مادة ترفض الدعوات العنصرية التي تمتهن الأديان جميعًا، لكن على مستوى الممارسة فإن وصم المسيحيين بالكفر أصبح شائعًا في كتابات الكثيرين، وفي العديد من المطبوعات والبرامج التليفزيونية ومواقع الإنترنت، وشرائط الكاسيت التي تحصل على ترخيص من الأزهر، بل أيضًا في فتاوى صادرة عن دار الإفتاء، وقد قدَّم أصحاب هذا الطرح العديد من النماذج التي تؤيد ما ذهبوا إليه.

كما تعرَّض النقاش لتناول مناهج التعليم المصرية للدين المسيحي، فأكد البعض على تهميش الدين المسيحي، لصالح الإعلاء من شأن الإسلام، منتقدين إجبار التلاميذ الأقباط على حفظ نصوص القرآن في حين يتم إقصاء نصوص الإنجيل، كما أشاروا إلى استبعاد المناهج التعليمية لمفهوم المواطنة، حتى أن كتب التاريخ تصوّر انتصار الجيش المصري على الجيش الإسرائيلي في حرب 1973 بأنه انتصار للمسلمين على اليهود، في تجاهل لدور المسيحيين في تحقيق النصر، وقد فسَّر عدد من المشاركين تلك الممارسات، بأنها نتاج طبيعي لنجاح البعض في إيهام المسلمين بأنهم مهزومون، وأن المسيحيين في الداخل هم مسئولون بشكل أو بآخر عن تلك الهزيمة؛ لكونهم جزءًا من تحالف عالمي مسيحي يشن حربًا صليبية على الإسلام والمسلمين!

كما نوَّه البعض إلى وجود العديد من الأمثلة التي تكشف عن أن المؤسسات الدينية الإسلامية لا تتخذ مواقف حازمة تجاه محاولات التشهير بالدين المسيحي، واتهمها بتفضيل الصمت لاكتساب قاعدة شعبية من خلال التطرف والتزمت تجاه الآخر الديني؛ مما يؤدي بالتالي لاشتعال المزيد من الأزمات الطائفية.

عندما تكون لرجال الدين وصاية على الإبداع

طرحت تساؤلات عن علاقة الدين بالإبداع، ولماذا تثور دومًا الاشتباكات بين المبدعين وبين المؤسسات الدينية؟ وهل توجد في بنية النص الديني مبررات تسمح للمؤسسات، التي تعتقد أنها مكلفة بحماية الدين والذود عن المقدسات، بأن تفرض وصايتها على الإبداع وأصحابه؟ وهل يوجد تناقض بين الإبداع وأدواته، وبين احترام المعتقدات الدينية؟

أثيرت أسئلة حول الأسباب التي أدت إلى أن يصبح للأزهر دورًا رقابيًّا على الأعمال الأدبية والفنية، بعد أن كان دوره قاصرًا على متابعة طباعة المصاحف وكتب الحديث النبوي الشريف، فيشير عدد من المشاركين إلى نجاح الأزهر في إيجاد سند قانوني لتلك الرقابة، من خلال إصدار مجلس الدولة لفتوى تؤكد أن للأزهر وحده الرأي الملزم لوزارة الثقافة في إقرار الترخيص للمصنفات السمعية أو السمعية البصرية، فيما يتعلق بالشأن الإسلامي، ومنذ أن نال الأزهر، في مرحلة لاحقة، حق الضبطية القضائية، ازداد عدد الكتب المصادرة، ولم يكتفي الأزهر بمنع الروايات والدواوين الشعرية التي يعتبر أن فيها إساءة للإسلام فقط، بل إنه أصبح يصادر حتى كتب الفكر والاجتهاد الديني.

ولاحظ عدد من المشاركين تزامن صعود التيارات الإسلامية المتطرفة مع تزايد الدور الرقابي لمؤسسة الأزهر، الامر الذي أدى إلى تصاعد حملات التكفير ضد المبدعين وكل من له رأي يخالف رأي المؤسسة الدينية أو الجماعات المتطرفة، وقد اجمع المشاركون على رفضهم القاطع لمنح حق الضبطية القضائية لمفتشي الأزهر، بما يمثله من قيد إضافي على حرية الفكر والإبداع وردة عن فلسفة الدولة المدنية.

وقد أنكر ممثل المؤسسة الدينية أن يكون للأزهر حق الضبطية القضائية، مؤكدًا على عدم وجود واقعة واحدة قام فيها الأزهر بمصادرة لكتاب، مشيرًا إلى أن الأزهر ليست له سلطة مصادرة أي كتاب فيما عدا المصاحف وكتب الحديث التي تعرَّضت لتحريف، لكنه في ذات الوقت أبدى دهشته من أن يطالب البعض الأزهر بالامتناع عن إبداء الرأي – عندما يُطلب منه ذلك – في الكتب التي قد تحتوي على ما يخالف الشريعة الإسلامية!

علَّق ممثل المؤسسة الدينية على ما قال به البعض عن تزامن صعود التيارات الإسلامية المتطرفة مع تزايد الدور الرقابي لمؤسسة الأزهر، مما أدى لزيادة الكتب المصادرة، واصفًا ذلك بأنه خلط للأوراق، نافيًا أن تكون لدى الأزهر قائمة سوداء للكتب، كما أكد على أن الأزهر لم يحدث أن مارس الوصاية الدينية على الإبداع، ويرى أن المؤسسة الدينية ليست لها علاقة لما يصدر عن غيرها من تكفير للآخرين، مشيرًا إلى أن المؤسسة الدينية تحترم وتقدّر الحوار مع المخالفين لها في الرأي.

وهو ما استنكره البعض، مؤكدين أن للأزهر دورًا في الوصاية على الإبداع باسم الدين، وأن رقابته لا تقتصر فقط على ضبط المصاحف وكتب الحديث؛ فالتقارير التي تصدر عن مجمع البحوث الإسلامية تؤدي في أغلب الأحيان لمصادرة الكتب، وقد طالبت المداخلات بضرورة توقف الأزهر عن تلك الممارسة التي اعتادها لفرض وصايته على حرية الفكر، وفي هذا الإطار طرحت تساؤلات حول ماهية المبرر الشرعي الذي يسمح بوجود مؤسسة الأزهر في مصر، بينما لا توجد مؤسسات مماثلة لها في دول تحظى بأغلبية سنية؟!

كما طالب المشاركين بأن يتصدى الأزهر لظاهرة انتشار المطبوعات التي تروج لخرافات تهدد أساس العقيدة الإسلامية، بدلاً من حرصه الفائق على فرز الكتب الفكرية والأدبية لمصادرة ما يتصور أنه يخالف الشريعة الإسلامية.

هل الدين عدو الإبداع؟

أشار البعض أيضًا إلى أن داخل بنية الدين ما يجعله عدوًا أو نقيضًا للإبداع، وهو ما يفسِّر الصراع الدائم بين المبدعين من جهة ورجال الدين من جهة أخرى، وقد لاقى هذا الطرح نقدًا يرى أصحابه أن هذه الفرضية تقوم بعزل المبدع عن جمهور المتلقين؛ فالجمهور الذي يمارس الشعائر الدينية هو ذاته الذي يقوم بتلقي الأعمال الفنية ويمارس تذوقها، وقد أكدت عدد من المداخلات على أن المشكلة ليست في الإسلام ذاته، وإنما هي في غياب الاجتهاد، وسيطرة مناخ يشجع التطرف، ويقلل من قيمة العقل في التعامل مع النصوص الدينية، وقد انتقد البعض إغفال المتحدثين لدور الكنيسة في قمع الإبداع، كما حدث في فيلم "بحب السيما" ورواية "شيفرة دافنشي"، والإفاضة في تصوير قمع المؤسسة الدينية الإسلامية لمختلف صنوف الفنون والفكر.

خلاصات وتوصيات

انتهت مناقشات ومداولات المشاركين في ورشتي كوبنهاجن والقاهرة إلى التوصيات التالية:

1- التأكيد على أهمية القيم العالمية المشتركة بين الثقافات، والاستفادة من التراث المشترك لكافة الحضارات، والوقوف ضد التيارات المعادية لتلك القيم الإنسانية، والتي تنتشر في جنوب المتوسط، وتتصاعد بقوة في القارة الأوروبية، فيما يعرف باليمين المتطرف.

2- ضرورة علاج النقص في المعلومات وفي تنوعها، بين جنوب المتوسط وبين شماله، والذي كان له دورًا رئيسيًا في إشعال الأزمات الثقافية بين الضفتين.

3- العمل على إنتاج فيلم وثائقي بعدة لغات منها العربية والدانماركية لإبراز كيف ينظر المسلمون البسطاء والنساء والأطفال في العالم العربي والإسلامي والمسلمين في أوربا لشخص النبي محمد بوصفها رمزاً للدين الإسلامي، على أن يتم عرض هذا الفيلم.

4- العمل على تنشيط حركة الترجمة المتبادلة بين الدانمارك والعالم العربي في كافة المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية، وتبادل معارض الكتب والآثار والمهرجانات الفنية والثقافية.

5- العمل على تفعيل المواثيق الإعلامية على الجانبين العربي والإسلامي، والدانماركي والأوربي التي تفرض تحري الدقة في نقل المعلومات واحترام حريات الجماعات والأفراد.

6- التفكير في عقد منتدى للفنانين الدانماركيين والمصريين في مجال الكاريكاتير، بعنوان "حرية التعبير والخصوصيات الثقافية"؛ حيث سيساعد هذا على تبديد مناطق الالتباس في معرفة الحدود التي ينبغي أن يدافع فيها عن حرية التعبير دون المساس بالخصوصيات الثقافية وحريات الآخرين.

7- دعوة المجتمع الدانماركي حكومة ومنظمات مدنية وقوى سياسية أن تترجم مواقعها الإلكترونية إلى اللغة العربية والإنجليزية للتيسير على الإعلاميين والمهتمين بشكل عام للتعرف على ثقافة الدانمارك وخريطته السياسية والاجتماعية وطبيعته.

8- التفكير في إنشاء موقع إليكتروني على شبكة الإنترنت؛ لتبادل وجهات النظر، والتعبير عن الرؤى المختلفة، حول القضايا والأزمات المشتركة بين العرب والغرب.

9- تنظيم برنامج بحثي للصحفيين والقضاة ومحققي النيابة الشبان، عن التراث القضائي الأوروبي المتعلق بحرية الرأي والتعبير؛ للاستفادة من هذا التراث في معالجة القضايا المتعلقة بحرية التعبير، بالإضافة إلى تحليل الخطاب القانوني والديني ودراسة مواقف القضاء والمؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي في قضايا حرية الرأي والتعبير.

10- العمل على عقد دورات تدريبية عن الإعلام والصحافة، بالتبادل بين العالم العربي والدانمارك، وتبادل بعثات الصحفيين الاستكشافية، والتدقيق في اختيار مراسلي الصحف والقنوات التليفزيونية ليكونوا أكثر إلمامًا بثقافات البلدان التي يغطونها إعلاميًا.

11- إصلاح المؤسسات التعليمية في مصر والعالمين العربي والإسلامي، أمر ينبغي الحرص عليه، بعد ما تبيّن من ضعف مناخ حرية الرأي والتعبير والتشجيع عليهما داخل تلك المؤسسات، بما يكرِّس الثقافة النصوصية التي تنتج متطرفين ليسوا على استعداد لمحاولة فهم الآخر، وتغيِّب المبادرات الفردية التي تحتاج إلى حرية التفكير، ولا يمكن الإبداع بدونها.

12- لا بد من أن يتمتع القضاء باستقلال كامل، فلا توجد جدوى من وجود نصوص قانونية جيدة، مع افتقاد السلطة القضائية لاستقلالها، الذي يضمن أكبر قدر ممكن من تفسير القوانين في صالح حرية الرأي والتعبير.

13- الاستجابة لوجد حاجة ملِّحة لدى الصحفيين الشباب المصريين لاكتساب عدد من المهارات الضرورية، كاللغة الإنجليزية، حيث سيعزز هذا الأمر من قدرتهم على التواصل مع زملائهم في الغرب، وأيضًا في اكتساب العديد من المعارف التي يحتاجونها.

14- توفير واعتماد آلية لمتابعة التوصيات والأفكار التي أنتجها البرنامج والذي يعد أحد التجليات الناجحة لفكرة حوار الحضارات.

إشكالية حرية الرأي والتعبير في مجتمعات مختلفة.- رواق عربي (القاهرة)، 2007، عدد رقم 44. 123 - 137 ص*

1 comment:


  1. يمتد بونشو صيفي للمحجبات طويل عادةً إلى الطول الكامل أو يكون قصيرًا قليلاً حسب التصميم. يغطي البونشو الطويل أحيانًا جسم الشخص بالكامل.
    يمكن ارتداء البونشو الصيفي الطويل في الأماكن الخارجية، مثل الشواطئ أو الحدائق، أو يمكن استخدامه كقطعة أنيقة لتكملة الإطلالة في المناسبات الصيفية.
    الإغلاق:
    يمكن أن يكون البونشو مفتوحًا من الأمام أو يحتوي على أزرار أو إغلاق آخر، مما يتيح للشخص ضبطه وفقًا لتفضيلاته.
    يمكن العثور على البونشوات الصيفية الطويلة حيث مجموعة واسعة من التصاميم والأنماط التي تناسب مختلف الأذواق والاحتياجات.

    ReplyDelete