في عام 1994 صدرت النسخة الأولى من الميثاق العربي لحقوق الإنسان، وكما كان متوقعًا، ولد الميثاق بعيوب خلقية، جعلت منه كائنًا قانونيًا مجافيًا لروح المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ومتسمًا بالعوار، وكذلك بروح عدائية للمنظمات غير الحكومية، ولم يحرص، كما كان واجبًا، على تقديم آلية فعّالة لحماية حقوق الإنسان في العالم العربي. بدا واضحًا للجميع، آنذاك، أن صنّاع الميثاق لم يكونوا جادين بالقدر الكافي فيما أعلنوه لمواطني الدول العربية، بل وللعالم بأسره، عن رغبة عارمة من جامعة الدول العربية في تعزيز حقوق وصون كرامة الإنسان العربي.
حسنًا، فلم يكن هذا مستغربًا من منظمة إقليمية تضم أكبر تجمع للأنظمة التسلطية والاستبدادية في العالم، وهي الأنظمة التي يضمر القائمون عليها عداءً مستحكمًًا للديمقراطية، ويبغضون تداول السلطة كالموت، ويحملون همًا مشتركًا فيما بينهم، وهو أن يبسط كل منهم نفوذه على مواطني دولته بكل السبل الممكنة، فيما يظهر التباين بينهم في كيفية استغلال كل منهم لقدراته ومهاراته في إنجاز هذا الهدف. ويستخدمون في ذلك وسائل وأدوات متنوعة، ومن أبرزها: تدبيج ترسانات قانونية معادية لحقوق الإنسان، ومنح أفراد الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة ودعم هائل يتحررون به من المحاسبة والعقاب على انتهاكاتهم اليومية، وقمع الحركات المطالبة بالإصلاح والتغيير السياسي، ومناصبة المجتمع المدني العداء، والهيمنة على السلطة التشريعية بوساطة تزوير الانتخابات، والتدخل في قرارات السلطة القضائية التي لا تحظى باستقلال كامل.
صدر الميثاق في وقت كان المواطن العربي يئنّ فيه من وطأة الظلم والعسف والفساد والتمييز المنهجي، والحرمان من التمتع بطائفة من الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهي الحقوق التي يفترض أن دساتير بعض الدول العربية تكفلها وتعترف بها، إلا أن الحكومات اعتادت أن تضرب بذلك عرض الحائط، فضلاً عن أن توقيع أغلبية هذه الحكومات على عدد كبير من المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، التي تفرض التزامات قانونية في مجال حماية حقوق الإنسان، لم يتجاوز عناء سكب الأحبار على الورق؛ فقد دأبت حكوماتنا، وتمرست، على الإخلال وعدم الوفاء بتلك الالتزامات. وهو الأمر الذي أثار الشك، عن حق، في مصداقية الدوافع التي أعلنت لتبرير إصدار الميثاق.
في هذا السياق الذي يغص بالمتناقضات، جاء الميثاق العربي لحقوق الإنسان عام 1994، ليغدو بمثابة ورقة التوت التي لا يمكنها مداراة أو معالجة عورات نظم الحكم الجاثمة على أنفاس الشعوب العربية، التي تتوق إلى الحرية والعدالة والمساواة.
وبعد نحو 9 سنوات خاملة، أعقبت إصدار الميثاق دون أن تقوم أية دولة بالتصديق عليه، دعت جامعة الدول العربية اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، إلى اجتماع خاص في الفترة من 18 – 26 يونيو 2003؛ للنظر في "تحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان". وهو ما دفع حينها بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى المبادرة بعقد مؤتمرًا إقليميًّا في العاصمة اللبنانية (بيروت)، بمشاركة عدد كبير من المنظمات غير الحكومية العربية والدولية، لإعلان موقف منظمات حقوق الإنسان من تعديل الميثاق. وانطلق الإعلان الصادر عن المؤتمر من التأكيد على انتقاص الميثاق العربي لكثير من الضمانات والمعايير الدولية المعترف بها لحماية حقوق الإنسان، وافتقاره لأية آلية رقابة فعّالة؛ مما دفع المؤتمرون إلى التحفظ بوضوح على أية مساعي تجاه اعتماد الإصدار الأول من الميثاق وكذلك على تحديثه بصورة شكلية أو جزئية. وقدموا لمتخذي القرار مجموعة من الإرشادات والمعايير والتوصيات التي تؤدي، حال تبنيها، إلى تأسيس نظام متكامل وفعّال لحماية حقوق الإنسان في العالم العربي.
لكن القمة العربية التي عقدت بتونس عام 2004، أقرت الميثاق العربي (المعدَّل) لحقوق الإنسان، بعد إخضاعه لجراحة تجميلية جعلته، بالمقارنة مع الوثيقة الأولى، أكثر تطورًا من الناحية الشكلية، إلا أنه أيضًا لم يرق لطموحات المنظمات غير الحكومية العربية؛ حيث ظلت فلسفة وجوهر الميثاق بمنأى عن المعايير الدولية التي دعت المنظمات الحقوقية العربية إلى الالتزام بها.
رغم ذلك تجدر الإشارة إلى أن الجامعة العربية انخرطت في مشاورات مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، نتج عنها استعانة الجامعة العربية في تحديث الميثاق، بشكل جزئي، بما توفره برامج المساعدة الفنية في مكتب المفوضية السامية. وهو الإجراء الذي تضمنته توصيات "إعلان بيروت للحماية الإقليمية لحقوق الإنسان في العالم العربي".
وقد أثمرت استشارة الجامعة للمفوضية السامية عن المادة 43 من الميثاق المعدَّل، والتي تنصّ على أنه " لا يجوز تفسير هذا الميثاق أو تأويله على نحو ينتقص من الحقوق والحريات التي تحميها القوانين الداخلية للدول الأطراف أو القوانين المنصوص عليها في المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان التي صدقت عليها أو أقرتها بما فيها حقوق المرأة والطفل والأشخاص المنتمين إلى الأقليات". وهو ما دفع البعض إلى اعتبار أن تلك المادة ستفسح المجال أمام لجنة حقوق الإنسان العربية لأن تنحاز في تعليقاتها وتفسيراتها، والأهم في متابعتها لالتزامات الدول العربية الأطراف، إلى المعايير العالمية لحقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار، لم يصادق حتى الآن على الميثاق سوى عشرة دول عربية، وهي (الأردن، الجزائر، البحرين، سوريا، ليبيا، فلسطين، الإمارات، السعودية، اليمن، قطر). وهي مفارقة تدعو للدهشة
حيث إن بعض هذه الدول يُعد الأكثر انغلاقًا وعداءً لحقوق الإنسان، مثل سوريا وليبيا والسعودية والبحرين. وهو ما يجعل القلق يساور كل من وضع آماله في تفعيل الميثاق على عاتق لجنة حقوق الإنسان العربية، التي سيتم تشكيلها بوساطة الدول المصدقة وحدها.
وقبل شهور قليلة، في 15 مارس 2009، مر عام كامل على دخول الميثاق حيّز التنفيذ بالنسبة لسبعة من الدول الأطراف؛ وهو ما يستدعي أن تبدأ اللجنة في النظر في تقارير هذه الدول. إلا أن اللجنة، التي أنتخب أعضاؤها في مارس 2009، لم تزل بعد في مرحلة وضع نظامها الداخلي، وهي مهمة معقدة وحاسمة في ذات الوقت. ويتوقع أنها لن تصبح عملية إجرائية تتسم بالوضوح والشفافية، كما ينتظر أن تمارس أغلب الدول الأطراف دورًا في قمع أية محاولة لتحرير اللجنة من الخضوع لهيمنتها.
إن ما تتمتع به جامعة الدول العربية من تاريخ استبدادي طويل، وما كشفته طوال السنوات الماضية من رغبة عارمة في تهميش منظمات حقوق الإنسان، وعدم مبالاتها بالأصوات المطالبة بإصلاح حقيقي داخل أروقة الجامعة؛ كلها أمور يمكن أن تبرر فتور حماسة كثير من المنظمات الحقوقية، التي ركنت إلى اليأس وكفّت عن الاشتباك فيما يتصل بالميثاق العربي لحقوق الإنسان، إلا بممارسة النقد المعتاد لسياسات الجامعة العربية إزاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الدول العربية. وبدا أن جدول أعمال الكثير من المنظمات البارزة لن يتسع للميثاق واللجنة المنبثقة عنه، إلا بعد أن تتم تغييرات جذرية على الميثاق، تعتمد الاتجاه الإصلاحي الذي ترومه هذه المنظمات.
في هذا السياق المفعم بالاحباط، فاجأتنا منظمة العفو الدولية في يوليو 2009، بورقة قانونية محكمة، تضم توصياتها من أجل وضع النظام الداخلي للجنة حقوق الإنسان العربية وأساليب عملها. وقد أظهرت السيدة ميرفت رشماوي، الخبيرة بمنظمة العفو الدولية والتي قامت بإعداد التوصيات، قدرة فائقة على عدم الاستسلام للواقع المزري الذي لا بد وأن يترك توقيعه على عملية وضع النظام الداخلي المزمع إصداره للجنة العربية لحقوق الإنسان.
فبدلاً من ذلك؛ عملت بدأب على استكشاف الثغرات التي يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تستغلها في النفاذ من الجدار الفولاذي الذي أنشأته الجامعة العربية حول الميثاق واللجنة، حتى ظنت أنها أوصدت الأبواب تمامًا أمام مشاركة منظمات حقوق الإنسان. كما أنها قدّمت مساهمة متميزة للغاية؛ بوضعها لبنات نظام داخلي يؤسس لفاعلية واستقلال اللجنة، التي هي أحدث هيئة للمراقبة والإشراف على معاهدة دولية في الوقت الحالي.
ولأننا في دورية "رواق عربي" نحاول أن نمارس دورنا المعتاد، في الاشتباك مع كل قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية المثيرة للجدل في العالم العربي؛ فقد ارتأينا أن يكون ملفنا لهذا العدد عن لجنة حقوق الإنسان العربية، وكيف يمكن لها أن تغدو آلية إقليمية "مستقلة" و"فعّالة" لحماية حقوق الإنسان. واخترنا أن تكون توصيات منظمة العفو الدولية المشار إليها، نقطة الإنطلاق في حوار جاد مع أصحاب المصلحة على اختلاف مشاربهم، من ممثلي لمنظمات حقوق الإنسان ولجامعة الدول العربية، فضلاً عن الخبراء ذوي الصلة.
وبناءً عليه؛ تواصلنا مع منظمة العفو الدولية، وحصلنا منها على تصريح قانوني بإعادة نشر توصياتها في هذا العدد، ثم قمنا بالاتصال بعدد من المسئولين بجامعة الدول العربية وطلبنا منهم المشاركة معنا بالتعقيب على توصيات منظمة العفو الدولية.
لكن الاستجابة اقتصرت على الاعتذار أو التجاهل. وهو ما يعكس الجو الخانق داخل الجامعة، والذي نتج عن الضربات التي سددتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، إلى محاولة اللجنة للفوز بقدر ولو ضئيل من الاستقلالية، وأبرزها الإطاحة برئيس السكرتارية الذي اختاره أعضاء اللجنة. فالبعض اعتذر عن المساهمة؛ حتى لا يتعرض للمزيد من المتاعب والضغوط والعقاب، والبعض الآخر لم يكترث بالرد رغم الإلحاح. فلا بد وأنه استوعب الدرس العملي الذي استهدف إثارة القلق وتكميم الأفواه.
لدينا في الملف تعقيبان على توصيات منظمة العفو الدولية. التعقيب الأول كتبه الأستاذ بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ويقدّم فيه، على ضوء قراءته للتوصيات، تقييمه للأساليب التي اتبعتها منظمات حقوق الإنسان العربية في السنوات الأخيرة، مع جامعة الدول العربية فيما يتعلق بالميثاق العربي لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان العربية. حيث يرى حسن أن المنظمات الحقوقية اتبعت نهجين لم يكن لهما ثالث. الأول يضم تيار المنظمات "الراديكالية" التي آثرت انتظار التغيير الذي لا يجئ؛ بدلاً من مواصلة الانخراط في عملية المطالبة بتحديث الميثاق وباستقلال حقيقي للجنة. ويمثل التيار الثاني شريحة المنظمات "الواقعية" التي تخلت عن شرط الإصلاح، وانهمكت في محاولات دءوبة للعثور على مكان لها داخل الجامعة.
ويرى حسن أن منظمة العفو الدولية سلكت بتوصياتها، التي لا يخفي إتفاقه مع كل بنودها، طريقًا ثالثًا مهجورًا، وصفه بالإصلاحي؛ ورأى في التوصيات " نموذجًا تعليميًّا من المهم أن تتعلم منه منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي". ومن اللافت أن ورقة العفو الدولية دفعت الناشط المخضرم إلى مراجعة موقف مركز الدراسات المرموق الذي يتولى إدارته؛ حيث صنّفه ضمن المنظمات الراديكالية التي عليها الاستفادة مستقبلاً من المنهج الإصلاحي الذي اتبعته منظمة العفو الدولية في "كيفية استنباط تكتيكات وأساليب عمل ملموسة، دون أن تفقد بوصلة الهدف الاستراتيجي الكبير في ذات الوقت".
وفي التعقيب الثاني على توصيات منظمة العفو الدولية، لم يجد الدكتور وائل أحمد علام، الأستاذ بكلية القانون بالشارقة، أمامه من سبيل إلا الاتفاق شبه الكامل مع التوصيات. حيث وجد فيها "مقترحات جيدة لآلية فعّالة للرقابة على احترام حقوق الإنسان"، ودعا لجنة حقوق الإنسان العربية إلى أن تضمنها في نظامها الداخلي الدائم المزمع وضعه. وتأتي أهمية تعقيب الدكتور علام، ليس فقط لأنه أستاذًا للقانون، وإنما أيضًا لأنه عمل خبيرًا قانونيًّا باللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان خلال الفترة (2003 – 2007).
وأخيرًا؛ فإننا بهذا الملف نطمح إلى إثارة المزيد من النقاش الخلاَّق حول النظام الداخلي المرتقب للجنة حقوق الإنسان العربية. وفي الوقت الذي نأمل فيه أن تستطيع اللجنة الاستفادة من توصيات منظمة العفو الدولية وإدراجها في نظامها الداخلي؛ فإننا أيضًا ندعو منظمات حقوق الإنسان العربية إلى بذل المزيد من الجهود، ومواصلة النضال والضغط على جامعة الدول العربية لإصلاح الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والبناء على توصيات منظمة العفو الدولية وعدم الاكتفاء بذلك، بل عليها إبداع المزيد من الأفكار، ولا سبيل لذلك سوى بالنجاة من فخ اليأس والتشبث بأي بصيص للأمل يظهر في الأفق.
نحن أيضًا ندرك أن المهمة ليست يسيرة؛ فالحكومات العربية التي تشكل فيما بينها، الجامعة العربية المناط بها تفعيل الميثاق العربي لحقوق الإنسان وتحتضن لجنة حقوق الإنسان العربية، هي ذاتها الأطراف المسئولة بشكل مباشر عن أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي المزرية والمستمرة في التدهور على كافة الأصعدة. إنها الحقيقة المرّة التي ينبغي استيعابها جيدًّا؛ لكن لا يجب لها أن تكون سببًا في تثبيط العزيمة والحكم مقدمًا بالإخفاق والفشل؛ فالنتيجة المرجوة، وهي تمتع المواطن العربي بآلية إقليمية "حقيقية" لحماية حقوق الإنسان، تستحق البذل والعناء.
*مقدمة ملف العدد رقم 52 من مجلة (رواق عربي) الصادرة عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. يمكن الإطلاع على العدد وتحميل نسخة كاملة منه بوساطة الرابط التالي:
غلاف العدد 52 من مجلة رواق عربي |
حسنًا، فلم يكن هذا مستغربًا من منظمة إقليمية تضم أكبر تجمع للأنظمة التسلطية والاستبدادية في العالم، وهي الأنظمة التي يضمر القائمون عليها عداءً مستحكمًًا للديمقراطية، ويبغضون تداول السلطة كالموت، ويحملون همًا مشتركًا فيما بينهم، وهو أن يبسط كل منهم نفوذه على مواطني دولته بكل السبل الممكنة، فيما يظهر التباين بينهم في كيفية استغلال كل منهم لقدراته ومهاراته في إنجاز هذا الهدف. ويستخدمون في ذلك وسائل وأدوات متنوعة، ومن أبرزها: تدبيج ترسانات قانونية معادية لحقوق الإنسان، ومنح أفراد الأجهزة الأمنية صلاحيات واسعة ودعم هائل يتحررون به من المحاسبة والعقاب على انتهاكاتهم اليومية، وقمع الحركات المطالبة بالإصلاح والتغيير السياسي، ومناصبة المجتمع المدني العداء، والهيمنة على السلطة التشريعية بوساطة تزوير الانتخابات، والتدخل في قرارات السلطة القضائية التي لا تحظى باستقلال كامل.
صدر الميثاق في وقت كان المواطن العربي يئنّ فيه من وطأة الظلم والعسف والفساد والتمييز المنهجي، والحرمان من التمتع بطائفة من الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهي الحقوق التي يفترض أن دساتير بعض الدول العربية تكفلها وتعترف بها، إلا أن الحكومات اعتادت أن تضرب بذلك عرض الحائط، فضلاً عن أن توقيع أغلبية هذه الحكومات على عدد كبير من المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، التي تفرض التزامات قانونية في مجال حماية حقوق الإنسان، لم يتجاوز عناء سكب الأحبار على الورق؛ فقد دأبت حكوماتنا، وتمرست، على الإخلال وعدم الوفاء بتلك الالتزامات. وهو الأمر الذي أثار الشك، عن حق، في مصداقية الدوافع التي أعلنت لتبرير إصدار الميثاق.
في هذا السياق الذي يغص بالمتناقضات، جاء الميثاق العربي لحقوق الإنسان عام 1994، ليغدو بمثابة ورقة التوت التي لا يمكنها مداراة أو معالجة عورات نظم الحكم الجاثمة على أنفاس الشعوب العربية، التي تتوق إلى الحرية والعدالة والمساواة.
وبعد نحو 9 سنوات خاملة، أعقبت إصدار الميثاق دون أن تقوم أية دولة بالتصديق عليه، دعت جامعة الدول العربية اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان، إلى اجتماع خاص في الفترة من 18 – 26 يونيو 2003؛ للنظر في "تحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان". وهو ما دفع حينها بمركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان إلى المبادرة بعقد مؤتمرًا إقليميًّا في العاصمة اللبنانية (بيروت)، بمشاركة عدد كبير من المنظمات غير الحكومية العربية والدولية، لإعلان موقف منظمات حقوق الإنسان من تعديل الميثاق. وانطلق الإعلان الصادر عن المؤتمر من التأكيد على انتقاص الميثاق العربي لكثير من الضمانات والمعايير الدولية المعترف بها لحماية حقوق الإنسان، وافتقاره لأية آلية رقابة فعّالة؛ مما دفع المؤتمرون إلى التحفظ بوضوح على أية مساعي تجاه اعتماد الإصدار الأول من الميثاق وكذلك على تحديثه بصورة شكلية أو جزئية. وقدموا لمتخذي القرار مجموعة من الإرشادات والمعايير والتوصيات التي تؤدي، حال تبنيها، إلى تأسيس نظام متكامل وفعّال لحماية حقوق الإنسان في العالم العربي.
لكن القمة العربية التي عقدت بتونس عام 2004، أقرت الميثاق العربي (المعدَّل) لحقوق الإنسان، بعد إخضاعه لجراحة تجميلية جعلته، بالمقارنة مع الوثيقة الأولى، أكثر تطورًا من الناحية الشكلية، إلا أنه أيضًا لم يرق لطموحات المنظمات غير الحكومية العربية؛ حيث ظلت فلسفة وجوهر الميثاق بمنأى عن المعايير الدولية التي دعت المنظمات الحقوقية العربية إلى الالتزام بها.
زين العابدين بن علي |
رغم ذلك تجدر الإشارة إلى أن الجامعة العربية انخرطت في مشاورات مع مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، نتج عنها استعانة الجامعة العربية في تحديث الميثاق، بشكل جزئي، بما توفره برامج المساعدة الفنية في مكتب المفوضية السامية. وهو الإجراء الذي تضمنته توصيات "إعلان بيروت للحماية الإقليمية لحقوق الإنسان في العالم العربي".
وقد أثمرت استشارة الجامعة للمفوضية السامية عن المادة 43 من الميثاق المعدَّل، والتي تنصّ على أنه " لا يجوز تفسير هذا الميثاق أو تأويله على نحو ينتقص من الحقوق والحريات التي تحميها القوانين الداخلية للدول الأطراف أو القوانين المنصوص عليها في المواثيق الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان التي صدقت عليها أو أقرتها بما فيها حقوق المرأة والطفل والأشخاص المنتمين إلى الأقليات". وهو ما دفع البعض إلى اعتبار أن تلك المادة ستفسح المجال أمام لجنة حقوق الإنسان العربية لأن تنحاز في تعليقاتها وتفسيراتها، والأهم في متابعتها لالتزامات الدول العربية الأطراف، إلى المعايير العالمية لحقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار، لم يصادق حتى الآن على الميثاق سوى عشرة دول عربية، وهي (الأردن، الجزائر، البحرين، سوريا، ليبيا، فلسطين، الإمارات، السعودية، اليمن، قطر). وهي مفارقة تدعو للدهشة
معمّر القذّافي |
محمد حسني مبارك |
وقبل شهور قليلة، في 15 مارس 2009، مر عام كامل على دخول الميثاق حيّز التنفيذ بالنسبة لسبعة من الدول الأطراف؛ وهو ما يستدعي أن تبدأ اللجنة في النظر في تقارير هذه الدول. إلا أن اللجنة، التي أنتخب أعضاؤها في مارس 2009، لم تزل بعد في مرحلة وضع نظامها الداخلي، وهي مهمة معقدة وحاسمة في ذات الوقت. ويتوقع أنها لن تصبح عملية إجرائية تتسم بالوضوح والشفافية، كما ينتظر أن تمارس أغلب الدول الأطراف دورًا في قمع أية محاولة لتحرير اللجنة من الخضوع لهيمنتها.
إن ما تتمتع به جامعة الدول العربية من تاريخ استبدادي طويل، وما كشفته طوال السنوات الماضية من رغبة عارمة في تهميش منظمات حقوق الإنسان، وعدم مبالاتها بالأصوات المطالبة بإصلاح حقيقي داخل أروقة الجامعة؛ كلها أمور يمكن أن تبرر فتور حماسة كثير من المنظمات الحقوقية، التي ركنت إلى اليأس وكفّت عن الاشتباك فيما يتصل بالميثاق العربي لحقوق الإنسان، إلا بممارسة النقد المعتاد لسياسات الجامعة العربية إزاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الدول العربية. وبدا أن جدول أعمال الكثير من المنظمات البارزة لن يتسع للميثاق واللجنة المنبثقة عنه، إلا بعد أن تتم تغييرات جذرية على الميثاق، تعتمد الاتجاه الإصلاحي الذي ترومه هذه المنظمات.
في هذا السياق المفعم بالاحباط، فاجأتنا منظمة العفو الدولية في يوليو 2009، بورقة قانونية محكمة، تضم توصياتها من أجل وضع النظام الداخلي للجنة حقوق الإنسان العربية وأساليب عملها. وقد أظهرت السيدة ميرفت رشماوي، الخبيرة بمنظمة العفو الدولية والتي قامت بإعداد التوصيات، قدرة فائقة على عدم الاستسلام للواقع المزري الذي لا بد وأن يترك توقيعه على عملية وضع النظام الداخلي المزمع إصداره للجنة العربية لحقوق الإنسان.
فبدلاً من ذلك؛ عملت بدأب على استكشاف الثغرات التي يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تستغلها في النفاذ من الجدار الفولاذي الذي أنشأته الجامعة العربية حول الميثاق واللجنة، حتى ظنت أنها أوصدت الأبواب تمامًا أمام مشاركة منظمات حقوق الإنسان. كما أنها قدّمت مساهمة متميزة للغاية؛ بوضعها لبنات نظام داخلي يؤسس لفاعلية واستقلال اللجنة، التي هي أحدث هيئة للمراقبة والإشراف على معاهدة دولية في الوقت الحالي.
ولأننا في دورية "رواق عربي" نحاول أن نمارس دورنا المعتاد، في الاشتباك مع كل قضايا حقوق الإنسان والديمقراطية المثيرة للجدل في العالم العربي؛ فقد ارتأينا أن يكون ملفنا لهذا العدد عن لجنة حقوق الإنسان العربية، وكيف يمكن لها أن تغدو آلية إقليمية "مستقلة" و"فعّالة" لحماية حقوق الإنسان. واخترنا أن تكون توصيات منظمة العفو الدولية المشار إليها، نقطة الإنطلاق في حوار جاد مع أصحاب المصلحة على اختلاف مشاربهم، من ممثلي لمنظمات حقوق الإنسان ولجامعة الدول العربية، فضلاً عن الخبراء ذوي الصلة.
وبناءً عليه؛ تواصلنا مع منظمة العفو الدولية، وحصلنا منها على تصريح قانوني بإعادة نشر توصياتها في هذا العدد، ثم قمنا بالاتصال بعدد من المسئولين بجامعة الدول العربية وطلبنا منهم المشاركة معنا بالتعقيب على توصيات منظمة العفو الدولية.
الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى |
لكن الاستجابة اقتصرت على الاعتذار أو التجاهل. وهو ما يعكس الجو الخانق داخل الجامعة، والذي نتج عن الضربات التي سددتها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، إلى محاولة اللجنة للفوز بقدر ولو ضئيل من الاستقلالية، وأبرزها الإطاحة برئيس السكرتارية الذي اختاره أعضاء اللجنة. فالبعض اعتذر عن المساهمة؛ حتى لا يتعرض للمزيد من المتاعب والضغوط والعقاب، والبعض الآخر لم يكترث بالرد رغم الإلحاح. فلا بد وأنه استوعب الدرس العملي الذي استهدف إثارة القلق وتكميم الأفواه.
لدينا في الملف تعقيبان على توصيات منظمة العفو الدولية. التعقيب الأول كتبه الأستاذ بهي الدين حسن مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ويقدّم فيه، على ضوء قراءته للتوصيات، تقييمه للأساليب التي اتبعتها منظمات حقوق الإنسان العربية في السنوات الأخيرة، مع جامعة الدول العربية فيما يتعلق بالميثاق العربي لحقوق الإنسان ولجنة حقوق الإنسان العربية. حيث يرى حسن أن المنظمات الحقوقية اتبعت نهجين لم يكن لهما ثالث. الأول يضم تيار المنظمات "الراديكالية" التي آثرت انتظار التغيير الذي لا يجئ؛ بدلاً من مواصلة الانخراط في عملية المطالبة بتحديث الميثاق وباستقلال حقيقي للجنة. ويمثل التيار الثاني شريحة المنظمات "الواقعية" التي تخلت عن شرط الإصلاح، وانهمكت في محاولات دءوبة للعثور على مكان لها داخل الجامعة.
ويرى حسن أن منظمة العفو الدولية سلكت بتوصياتها، التي لا يخفي إتفاقه مع كل بنودها، طريقًا ثالثًا مهجورًا، وصفه بالإصلاحي؛ ورأى في التوصيات " نموذجًا تعليميًّا من المهم أن تتعلم منه منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي". ومن اللافت أن ورقة العفو الدولية دفعت الناشط المخضرم إلى مراجعة موقف مركز الدراسات المرموق الذي يتولى إدارته؛ حيث صنّفه ضمن المنظمات الراديكالية التي عليها الاستفادة مستقبلاً من المنهج الإصلاحي الذي اتبعته منظمة العفو الدولية في "كيفية استنباط تكتيكات وأساليب عمل ملموسة، دون أن تفقد بوصلة الهدف الاستراتيجي الكبير في ذات الوقت".
وفي التعقيب الثاني على توصيات منظمة العفو الدولية، لم يجد الدكتور وائل أحمد علام، الأستاذ بكلية القانون بالشارقة، أمامه من سبيل إلا الاتفاق شبه الكامل مع التوصيات. حيث وجد فيها "مقترحات جيدة لآلية فعّالة للرقابة على احترام حقوق الإنسان"، ودعا لجنة حقوق الإنسان العربية إلى أن تضمنها في نظامها الداخلي الدائم المزمع وضعه. وتأتي أهمية تعقيب الدكتور علام، ليس فقط لأنه أستاذًا للقانون، وإنما أيضًا لأنه عمل خبيرًا قانونيًّا باللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان خلال الفترة (2003 – 2007).
وأخيرًا؛ فإننا بهذا الملف نطمح إلى إثارة المزيد من النقاش الخلاَّق حول النظام الداخلي المرتقب للجنة حقوق الإنسان العربية. وفي الوقت الذي نأمل فيه أن تستطيع اللجنة الاستفادة من توصيات منظمة العفو الدولية وإدراجها في نظامها الداخلي؛ فإننا أيضًا ندعو منظمات حقوق الإنسان العربية إلى بذل المزيد من الجهود، ومواصلة النضال والضغط على جامعة الدول العربية لإصلاح الميثاق العربي لحقوق الإنسان، والبناء على توصيات منظمة العفو الدولية وعدم الاكتفاء بذلك، بل عليها إبداع المزيد من الأفكار، ولا سبيل لذلك سوى بالنجاة من فخ اليأس والتشبث بأي بصيص للأمل يظهر في الأفق.
نحن أيضًا ندرك أن المهمة ليست يسيرة؛ فالحكومات العربية التي تشكل فيما بينها، الجامعة العربية المناط بها تفعيل الميثاق العربي لحقوق الإنسان وتحتضن لجنة حقوق الإنسان العربية، هي ذاتها الأطراف المسئولة بشكل مباشر عن أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي المزرية والمستمرة في التدهور على كافة الأصعدة. إنها الحقيقة المرّة التي ينبغي استيعابها جيدًّا؛ لكن لا يجب لها أن تكون سببًا في تثبيط العزيمة والحكم مقدمًا بالإخفاق والفشل؛ فالنتيجة المرجوة، وهي تمتع المواطن العربي بآلية إقليمية "حقيقية" لحماية حقوق الإنسان، تستحق البذل والعناء.
*مقدمة ملف العدد رقم 52 من مجلة (رواق عربي) الصادرة عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. يمكن الإطلاع على العدد وتحميل نسخة كاملة منه بوساطة الرابط التالي:
http://www.cihrs.org/Images/Articles/Categories/PDFs/142.pdf
ReplyDeleteبجامة نوم نسائي هي قطعة من الملابس التي تُرتدي عادةً أثناء النوم لتوفير الراحة والدفء. تأتي البجامات بتصاميم وأشكال مختلفة لتلبية تفضيلات واحتياجات النساء. إليك بعض العناصر المشتركة في بجامات النوم النسائية:
تصنع البجامات من مواد مريحة ولينة مثل القطن، والحرير، والفلانيل، حسب فصل السنة وتفضيلات الارتداء.
يمكن أن تكون البجامات عبارة عن طقم يتألف من قميص وسروال، أو فستان نوم طويل، أو بنطلون قصير مع قميص قصير.
تتوفر البجامات بمجموعة واسعة من الألوان والزخارف، وقد يتم تزيينها بتطريزات، أو طبعات جميلة.